[النهي عن التمثيل والغدر والغلول]
قال: [(ولا تمثلوا)] وفي رواية (ولا تمثّلوا) وفي حديث: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المثلة) والمثلة هي تمزيق البدن بعد الموت، أو قبل الموت، فإذا أصاب سهمك العدو ووقع ميتاً فلا تقل: هذا لا يكفيني، فتذهب إلى أنفه فتقطعه، وإلى اليد فتقطعها، وإلى الساق وغير ذلك من أطرافه وأعضائه، فتمثّل به تمثيلاً، فقد نهى الإسلام عن التمثيل بالكافر فضلاً عن المؤمن.
قال: (اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله).
إذاً: القتال لا يُنصب ابتداء إلا في وجه الكفار.
قال: [(اغزوا ولا تغلوا)].
وفي رواية: (ضموا الغنائم) أي: اجمعوا بعضها إلى بعض.
والغلول: هو الأخذ من الغنيمة والفيء قبل توزيعها، وأنت في الجيش ربما قضى الله عليك بالنزال مع أحد الكفار، فتأخذ سلبه، تأخذ ما معه من سلاح ومال وغير ذلك، والأصل أن تأخذ هذا وتضمه إلى بقية الغنائم حتى يودعه الإمام، أما قبل ذلك فلا يجوز لك أن تأخذ شيئاً بغير علم الإمام؛ ولذلك أثنى الله تعالى على أنبيائه ورسله أنهم لا يغلون شيئاً.
قال: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران:١٦١] من أخذ شيئاً من الغنيمة قبل توزيعها أتى به يوم القيامة؛ ولذلك حينما مات مولى للنبي عليه الصلاة والسلام في القتال قال الصحابة: مات مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنا لنراه من أهل الجنة، فلما سمع النبي عليه الصلاة والسلام هذه المقالة قال: (والله وإني لأراه في نار جهنم بسبب شملة غلها).
والشملة: ثوب أو عباءة، فنهى النبي عليه الصلاة والسلام عن الأخذ من الغنيمة ولو كان عوداً من أراك، وهو بعض السواك، ومن فعل ذلك حُرم ثواب الشهداء، وتعرّض للعقوبة.
ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (اغزوا ولا تغلوا) والنهي هنا للتحريم [(ولا تغدروا)] أي: ولا تغدروا عدوكم.
ويُحمل هذا الغدر على النهي عن الغدر مع المسلمين من باب أولى، ومع الأمير من الأولى والأولى، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (يُرفع لكل غادر لواء يوم القيامة على استه) أي: على مؤخرته ومقعدته، يشهده القاصي والداني يوم القيامة قال: (يُرفع لكل غادر لواء يوم القيامة على إسته يقال: هذه غدرة فلان ابن فلان).
قال: [(ولا تقتلوا وليداً)] أي: صغيراً، وهذا النهي نهي عام مطلق في عدم قتل الولدان والصبيان الصغار بشرط ألا يشاركوا في القتال، كما جاء النهي كذلك عن قتل النساء وقتل الشيوخ الكبار، والعُبّاد في صوامعهم، كل هذا النهي على عمومه إلا أن يشارك هؤلاء في القتال فيقتلوا بمشاركتهم، فإذا شاركوا في القتال يقتلون أصلاً لا تبعاً، ويقتلون تبعاً إذا تترس بهم الكفار، أو كان لا يمكن الوصول إلى جيش العدو مع قوة شوكته وخطورته على جيش الإسلام إلا بقتل هؤلاء، فحينئذ يُقتلون تبعاً لا أصلاً.
يعني: لا يكون القصد قتلهم، وإنما القصد: الوصول إلى العدو، ولا يصل إليه إلا بقتل هؤلاء، وهذا أمر مستقر في الشرع، كما يُقتل المرء لفتنته وليس بلازم أن يكون كافراً، ولذلك قتل خالد بن عبد الله القسري الجعد بن درهم؛ لقوله الخطير في باب القدر، وأنه أنكر أن الله تعالى كلّم موسى تكليماً واتخذ إبراهيم خليلاً.
قال خالد بن عبد الله القسري بعد فراغه من خطبة عيد الأضحى: أيها الناس! ضحوا تقبّل الله منا ومنكم، فإني مضح بـ الجعد بن درهم ونزل من المنبر وقتله، فلما سئل عن ذلك أخبر أنه قتله لمقالته الخطيرة التي ضلّت بها الأمة في ذلك الزمان، فهو قتله لا لأجل كفره وإنما لأجل فتنته التي لا تخمد إلا بقتله، فليس بلازم أن يقتل المرء لأجل كفره؛ ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة).