قال: [وعن أبي هريرة رضي الله عنه، وأبي سعيد الخدري سعد بن مالك بن سنان المدني أنهما سمعا النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(في قول الله تعالى: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}[الأعراف:٤٣]، قال: نودوا أن صحوا فلا تسقموا أبداً)، أي: أنتم في صحة وعافية ليس بعدها مرض، (واخلدوا فلا تموتوا أبداًَ، وانعموا فلا تبأسوا أبداً)].
وعن ابن عباس في قول الله تعالى:{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ}[الدخان:٥١] قال: في خلود دائم، ونعيم ليس فيه شخوص -أي: انزعاج- قد أمنوا العذاب، ورضوا بالثواب، واطمأنت بهم الدار، في جوار الرحمن تبارك وتعالى، {يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ}[الدخان:٥٥] أي: أمنوا من الموت، والأسقام، والأوجاع، والأمراض، والتخم، لا يذوقون فيها طعم الموت، حياتهم كلها نعيم أبدي، سرمدي، دائم لا انقطاع له.
وعن الضحاك رحمه الله تعالى في قوله تعالى:{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ}[الدخان:٥١] قال: أمنوا الموت فلا يموتون أبداً، ولا يهرمون أبداً، ولا يكبرون عن هذا السن.
وفي الأثر: أن أهل الجنة يدخلون على سن عيسى بن مريم ثلاث وثلاثين لا يزيدون عليها؛ لأن الجنة والنار ليستا بحساب الأيام والليالي، ولا الصباح المساء؛ لأنه لا شمس ولا قمر ولا شيء من هذا، فلا يقال هناك أيام.
وأهل الجنة لا يعرون أبداً، ولا يجوعون أبداً، ولا يكبرون أبداً، ولا يسقمون أبداً، فهذا هو المقام الأمين في قوله {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ}[الدخان:٥١].
وعن جابر رضي الله عنه قال النبي عليه الصلاة والسلام:(لما سئل: أينام أهل الجنة؟ قال النبي عليه الصلاة والسلام: النوم أخو الموت، وأهل الجنة لا يموتون)، إذاً: لا نوم في الجنة، والأمور كلها تتبدل، فلا يحتاج أحد أن يستريح قليلاً؛ لأنه لا يحتاج لهذه الراحة ابتداء، ولا يفكر فيها.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(يقول الله عز وجل لمن يشاء من ملائكته: ائتوهم فحيوهم) الله تعالى يأمر الملائكة أن يأتوا أهل الجنة فيحيوهم ويسلموا عليهم، (فتقول الملائكة -أي: المقربون: نحن الذين ألهمنا التسبيح والذكر كما ألهمنا النفس، فيكف تأمرنا أن نذهب إلى هؤلاء ونسلم عليهم، كأنهم أرادوا أن يقولوا ذلك- قال: فتقول الملائكة: نحن سكان سمائك وجيرتك من خلقك، أفتأمرنا أن نأتي هؤلاء فنسلم عليهم؟ قال: إنهم كانوا عباداً يعبدونني، ولا يشركون بي شيئاً)، وهذا من إخلاص توحيد الله عز وجل، وإخلاص العبادة لله، ونبذ الشرك، وهذا أعظم سبب لدخول الجنة.
والله تعالى له من الملائكة خدم للمؤمنين في الجنة، قال:(فتأتيهم عند ذلك -أي: الملائكة- فيدخلون عليهم من كل باب: سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار).