[توحيد الألوهية والربوبية بين جاهلية الأمس وجاهلية اليوم]
وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب عليه رحمة الله تكلم عن توحيد الألوهية، وأكد عليه كغيره من العلماء الذين سبقوه والذين أتوا من بعده؛ لأنه بيت القصيد ومربط الفرس، فقال: اعلم رحمك الله أن التوحيد هو إفراد الله بالعبادة، وهو دين الرسل جميعاً، فما من نبي أتى إلا ودعا قومه أن يفردوا الله عز وجل بالعبادة دون سواه.
والله عز وجل أرسلهم به إلى عباده، فأولهم نوح عليه السلام، أرسله الله إلى قومه لما غلوا في الصالحين: ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر.
وآخر الرسل محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الذي كسر صور الصالحين، فقد أرسله الله إلى قوم يتعبدون ويحجون ويتصدقون ويذكرون الله كثيراً، ولكنهم يجعلون بعض المخلوقات وسائط بينهم وبين الله، {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[الزمر:٣]، أي: نحن نعلم أنهم ليسوا آلهة ولا شيء من ذلك، ولكنهم أناس طيبون وصالحون، وهم واسطة بيننا وبين الله، وهذا ضرب من ضروب الكفر الذي ما أرسل الله عز وجل نبيناً إلا وحاربه، وأهل الجاهلية كانوا يعلمون جيداً أن النافع الضار هو الله عز وجل الذي في السماء، ولما أتاه أحد الجاهليين قال له النبي صلى الله عليه وسلم:(كم تعبد؟ قال: سبعة، واحد في السماء وستة في الأرض)، يعني: حتى أهل الجاهلية كانوا يقرون بأن الله تعالى في السماء، بخلاف الموجودين في هذه الأزمان.
فالمسلمون الآن يقولون: الله موجود في كل مكان، وأهل الجاهلية المشركون الكفار كانوا يوقنون بأن الله تعالى في السماء، (قال: إلى من تلجأ إذا نزل بك الضر؟ قال: إلى الذي في السماء)؛ لأنه يعلم أنه لا يصرف الضر ولا يفرج الهم إلا الله.
قال: ولكنهم يجعلون بعض المخلوقات وسائط بينهم وبين الله، يقولون: نريد منهم التقرب إلى الله، يقربونا إلى الله عز وجل، ونريد شفاعتهم عنده، مثل: الملائكة، وعيسى ومريم وأناس غيرهم من الصالحين، فبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم يجدد لهم دين أبيهم إبراهيم عليه السلام، الذي أرسله الله بالحنيفية السمحة، ويخبرهم أن هذا الاعتقاد محض حق الله تعالى، لا يصلح منه شيء لغير الله، لا لملك مقرب ولا لنبي مرسل فضلاً عن غيرهما.