[شرح حديث: (اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري)]
قال: [حدثنا إبراهيم بن دينار، حدثنا أبو قطن عمرو بن الهيثم القطعي عن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون عن قدامة بن موسى عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري)].
وانظر إلى هذا الدعاء فالنبي صلى الله عليه وسلم قدم الدين قبل الدنيا؛ لأن الدين دائماً قبل الدنيا، ولو أنك حزت الدنيا بحذافيرها وفقدت الدين فما حزت شيئاً قط، بل خسرت كل شيء.
ولو أنك فزت بالدين وخسرت كل شيء بعده لفزت بكل شيء؛ ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام كان دائماً يبين لأصحابه هذه القاعدة، فيقول: (انظروا إلى من هو دونكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ لئلا تزدروا نعمة الله عليكم).
والعلماء يقولون في قوله عليه الصلاة والسلام: (انظروا إلى من هو فوقكم ولا تنظروا إلى من هو دونكم).
أي: في الدين والخير والطاعة، لا تتأثر بمن هو دونك، لأنك لو تأثرت بمن هو دونك فستقف عند حد معين من الطاعة.
أما إذا تأسيت وجدت أعظم أسوة هو النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه الكرام، ولذلك يقول ابن مسعود: من كان متأسياً فليتأس بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة.
أي: من كان مقتدياً فليقتد بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، والأسوة المعصوم الذي لا يخطئ هو النبي عليه الصلاة والسلام.
ولذلك القراءة في سيرة النبي عليه الصلاة والسلام وفي سيرة أصحابه الكرام تجعل الواحد دائماً يحتقر نفسه! اقرأ مثلاً في سير الصحابة رضي الله عنهم، اقرأ الثلاث المجلدات الأول في سير أعلام النبلاء، لترى كيف كانت عبادة الصحابة رضي الله عنهم؟ وكيف كان عملهم وجهادهم وصبرهم وجلدهم وإنفاقهم في سبيل الله عز وجل؟ والنساء يقرأن في حياة الصحابيات وحياة الصالحات من السلف رضي الله عنهن، فكل واحد أو واحدة منا لا بد وأنه سيحتقر نفسه ويحتقر عمله، بل ربما يصل الواحد فينا إلى درجة اليقين أنه هالك، والواحد منا يقول: لولا رحمة ربنا سندخل الجنة.
ما هي مؤهلاتنا التي ممكن أن ندخل بها الجنة؟ إن للجنة مؤهلات، فمؤهلاتنا كلها غيبة ونميمة وتقصير في طاعة الله عز وجل، وخداع وغش وريبة وربا وتزوير وتمويه، فليس لنا مؤهلات تدخلنا الجنة إلا برحمة الله عز وجل.
لما نقرأ في حياة السلف سنقول: أين نحن؟ وبعض المتبجحين منا والمقصرين والمفرطين جداً في طاعة الله عز وجل يطلبون الفردوس الأعلى، ومرافقة النبي صلى الله عليه وسلم، مع أننا ليس لدينا مؤهلات لدخول الجنة من الأصل، ولا لعبور الصراط، لكنها على أية حال رحمة الله عز وجل التي نرجوها.
كان عليه الصلاة والسلام يقول: [(اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري).
أول طلب يطلبه النبي عليه الصلاة والسلام ويقدمه على غيره من المطالب هو إصلاح الدين.
أي: بإقامته على منهج الله عز وجل.
[(وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي)] يعني: الدين ليس فيه إلا جنة أو نار، إنما الدنيا فيها المعاش، وأنت تعيش على الفول وغيرك يعيش على لحم الضأن، فأنتما سواء، هي عيشة وخلاص.
يعني: هذه المعيشة ليست محل اهتمام ولا تعظيم ولا تفكير؛ إنما الذي يستحق التفكير والاهتمام هو الدين، والحديث: (انظروا إلى من هو دونكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم).
العلة فيه: (لئلا تزدروا نعمة الله عليكم).
فالفقير الذي يصلي ويصوم عند ما يزدري نعمة الله عليه حينما ينظر إلى ما أعطى الله للغني من نعيم فيقول: لماذا ربنا أعطى الرجل هذا، رغم أنه لا يستحق وحرمني وأنا أستحق؟ وهذا الغني الذي نتحدث عنه أفضل من هذا الرجل إذا قال هذا الكلام واعتقده؛ لأنه يعتقد أن الله تعالى غير حكيم في توزيع أرزاقه، والله هو الرزاق ذو القوة المتين، يرزق من يشاء، ويحرم من يشاء، ويعطي من يشاء، وإذا أعطى الله عز وجل عبداً فإنما يعطيه لحكمة، وإذا منع عبداً فإنما يمنعه لحكمة، فربنا سبحانه هو الحكيم.
فالأصل أن الفقير لا يصاحب الغني، إذا كان سيؤثر عليه بأن يزدري نعمة ربنا عليه، وأحسن له أن يصاحب الفقراء من أهل الإيمان، من أجل يستمر شاكراً لنعمة الله عز وجل عليه.
وكثير من الفقراء إذا صاحبوا الأغنياء تمردوا على أسرهم، بل وسعوا جاهدين لئن يكونوا مثلهم وأعلى منهم، وهذه المسألة في عامة الناس مذمومة، فما بالك في أهل العلم وطلاب العلم، فهي أكثر ذماً وقبحاً، بل هي تقدح في عدالة من فعل هذا، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (انظروا إلى من هو دونكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم).
يعني: في الدنيا، (مخافة أن تحتقروا نعمة الله عز وجل التي أسداها لكم).
قال: [(وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي)]، أي: رجوعي إليك.
[(واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة ل