جماهير العلماء يقولون: كل ما أذهب العقل فهو خمر؛ لأن الخمر لغة: هو ما خمر العقل وستره وغطاه، فكل مُذهِب للعقل ومسكر حرام؛ لأنه خمر، قال عليه الصلاة والسلام:(كل مسكر خمر، وكل خمر حرام).
وفي رواية البخاري ومسلم:(كل مسكر حرام)، سواءً كان خمراً أو ليس بخمر، فالمسألة محل نزاع بين أهل العلم، لكن الإمام أبا حنيفة قال: إنما الخمر من العنب، وما دون ذلك ليس عنده بخمر، وهذا يكاد يكون كلاماً فاسداً أو باطلاً، والصحيح هو مذهب جماهير العلماء.
وأما ما يذكره العامة على ألسنتهم إذا أرادوا أن يبالغوا في ذكر شيء أو في إثباته فيقولون: فلان يقول في فلان ما قال مالك في الخمر.
فهذا الكلام يشعر أن مالكاً تفرد بقول دون جماهير العلماء في الخمر، وما قال مالك في الخمر إلا ما قاله جماهير العلماء، فقد قال مالك إن الخمر يتخذ من كل شيء، من جميع الثمار.
والإمام أبو حنيفة هو الذي انفرد في ذلك فقال: لا يكون إلا من العنب.
فينبغي أن يكون المثل السائر على لسان الناس:(قال فلان في فلان ما قال أبو حنيفة في الخمر)، وليس كما قال مالك في الخمر؛ لأن مالك لم يقل شيئاً شاذاً ولا منكراً.
إذاً: أهل العلم متفقون على وجوب حد شارب الخمر، وعلى أن حده الجلد، ولكنهم مختلفون في مقداره، فذهب الأحناف ومالك إلى أنه ثمانون جلدة، والشافعي إلى أنه أربعون.
وجاءت عن الإمام أحمد روايتان كما في المغني لـ ابن قدامة إحداهما: ثمانون.
وقال علي بن أبي طالب لما استشاره عمر: إذا سكر هذي -أي: قال كلاماً غير مفهوم ولا قيمة له- وإذا هذي افترى -أي: تعدى وظلم- فحده حد المفتري، وأنتم تعلمون أن حد المفتري ثمانون جلدة.
فهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوافق عمر رضي الله عنه في إحدى الروايتين عنه.