[إفصاح الإمام النووي بأن التأويل يستساغ إذا دعت الحاجة إليه]
التأصيل الرابع: أفصح النووي في مقدمته في كتاب المجموع -وهو من أعظم وأجل كتب الإمام النووي في الفقه، وهو أصل في مراجع كتب الفقه في المذهب الشافعي- أن التأويل يستساغ إذا دعت الحاجة إليه، وهذا على أي حال درب من دروب الاجتهاد عند الأئمة، وإن كنا لا نوافق عليه، ولكنه على أية حال موجود وله ظل عند أهل العلم، خاصة ممن كانت العقيدة عندهم غير ثابتة ثبوت الجبال الرواسي، فكانوا يلجئون للتأويل أحياناً لرد بدعة على مبتدع، وهذا الذي فعله الإمام النووي.
قال الإمام في المجموع: اختلفوا في آيات الصفات وأخبارها هل يخاض فيها بالتأويل أم لا؟ فقال قائلون: تتأول على ما يليق بالله عز وجل، وهذا أشهر المذهبين للمتكلمين.
وأما اصطلاح المتكلمين فله موال طويل جداً، لكن هذا اللفظ أطلقه المتأخرون على علماء في العقيدة أو المصنفات في العقائد وقالوا: سموهم المتكلمين أي: بمعنى المتكلمين في الأصول لا في الفروع.
وقال آخرون: لا تتأول، بل يمسك عن الكلام في معناها، ويوكل علمها إلى الله تعالى.
قوله:(ويوكل علمها) هذا كلام لا شك أنه خطأ، لكن يوكل كيفيتها إلى لله عز وجل، أما يوكل علمها فهذا هو تفويض العلم وتفويض المعنى الذي قال به الخلف دون السلف.
ثم قال: ويعتقد مع ذلك تنزيه الله تعالى وانتفاء صفات الحادث عنه، فيقال مثلاً: نؤمن بأن الرحمن على العرش استوى، ولا نعلم حقيقة معنى ذلك.
قوله:(ولا نعلم حقيقة معنى ذلك).
هذا كلام خطأ، وإنما الصواب: ولا نعلم كيفية ذلك، أما معنى ذلك وعلم ذلك فإننا نعلمه، فقوله:(الاستواء معلوم) يرد هذا الكلام من أصله.
وهذه طريقة السلف أو جماهيرهم، وهي أسلم، إذ لا يطالب الإنسان بالخوض في ذلك، فإذا اعتقد التنزيه فلا حاجة إلى الخوض في ذلك والمخاطرة فيما لا ضرورة إليه، أو لا حاجة إليه، فإن دعت الحاجة إلى التأويل لرد مبتدع ونحوه تأولوا حينئذ، وعلى هذا يحمل ما جاء عن العلماء في هذا.
والله أعلم.
هذا كلام الإمام النووي، ويفهم منه على سبيل الإجمال دون التفصيل أنه ينسب تفويض المعنى إلى السنة، وهذا كلام غير صحيح، وإنما الذي يُنسب إلى السلف وهو الحق الذي لا مراء فيه تفويض الكلام.