للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من آداب التلبية]

ورفع الصوت بالتلبية خاص بالرجال، أما المرأة فإنها تلبي بقدر ما يسمع من بجوارها أو تسمع نفسها، أما أن تلبي بصوت مرتفع فإن هذا فيه فتنة عظيمة جداً للرجال، ولذلك لا ترفع المرأة صوتها بالتلبية.

هؤلاء الذين تجمعهم على الدرس اجمعهم على كتاب الله عز وجل، فلو جمعتهم على الدرس فإنه أمر لا بأس به وهو جائز، لكن مخالف للأولى.

ويستحب الإكثار من التلبية لاسيما عند تغير الأحوال كإقبال الليل، أو إقبال النهار، يعني: عند وقت السحر ووقت الغروب.

وعند الصعود والهبوط: تصعد جبلاً أو تنزل من جبل، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر ربه إذا صعد شرفاً، يعني: إذا صعد إلى مكان مرتفع قال: الله أكبر، وإذا نزل قال: سبحان ربي الأعلى، فالعلماء استحبوا ذكر الله تعالى بالتلبية عند الصعود إلى الشرف أي: المكان المرتفع والنزول منه، واجتماع الرفاق.

فقول النووي هنا: (يستحب الإكثار من التلبية عند اجتماع الرفاق) يدل على جواز التلبية جمعاً، والقيام والقعود، والركوب والنزول، وأدبار الصلوات وفي المساجد كلها؛ فإن مذهب جماهير الفقهاء: استحباب التلبية أدبار الصلوات، وإن كان بعض أهل العلم قال: ذلك من البدع، لكنه في الحقيقة ليس من البدع، بل هو من المسائل المختلف فيها خلافاً سائغاً.

والأصح أن المحرم لا يلبي في الطواف حول البيت ولا في السعي بين الصفا والمروة؛ لأن التلبية منذ الإحرام بالنسك من الميقات المكاني، وللعلماء خلاف في ذلك، حتى أن يرى بيوت مكة قال به قوم، أو أن يرى الحرم قال به قوم، أو أن يدخل الحرم ويرى الكعبة قال به قوم.

وأبعد الأقوال: أن يرى بيوت مكة، وأدنى الأقوال: أن يدخل البيت الحرام، فإذا دخله انقطعت التلبية، لانشغاله بعبادة أخرى؛ وهي عبادة الذكر والدعاء والطواف حول البيت، ولزومه ذكراً معيناً بين الركنيين اليمانيين، الركن اليماني والركن الذي فيه الحجر الأسود، فهو يقول بين هذين الركنين: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:٢٠١]، فالذي يلبي يقطع التلبية إذا رأى بيت الله الحرام أو إذا دخل فيه؛ لانشغاله بعبادة أخرى، فعند دخوله للمسجد يقدم رجله اليمنى ويقول: باسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، اللهم اغفر لي ذنبي وافتح لي أبواب رحمتك، فهذه عبادة تقطع التلبية التي كان عليها، ثم هو سينظر إلى الكعبة وينطلق للبحث عن الركن الذي فيه الحجر الأسود؛ ليبدأ منه الطواف على النحو الذي ذكرناه في الدرس الماضي.

قال: ويستحب أن يكرر التلبية كل مرة ثلاث مرات فأكثر، يعني: هو أحياناً يفتر عن التلبية ويكسل وأحياناً ينشط فيلبي، فإذا لبى لبى ثلاثاً، يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، يقول ذلك ثلاث مرات أو خمس مرات أو سبع مرات أو تسع مرات، ويستحب أن يكون وتراً.

وإذا لبى صلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسأل الله تعالى ما شاء لنفسه ولمن أحبه وللمسلمين، وأفضل سؤال الله عز وجل في هذه الحالة: الرضوان، والجنة، والاستعاذة من النار، يسأله الرضوان أن يرضى الله تعالى عنه، ويسأله الجنة التي هي رحمة الله تعالى لعباده، ويسأله العياذ من النار، أن يجيره من النار، ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام بين في حديث أن عبادته كلها إنما هي دندنة حول هذا، لقول الرجل لما نصح أن يقول كذا وكذا فقال: (أنا لا أحسن يا رسول الله! دندنتك ولا دندنة معاذ، ولكني أسأل الله الجنة وأستعيذه به من النار، قال النبي عليه الصلاة والسلام: حولها ندندن)، يعني: هذا الذي نريد تحفيظه إياك وأنت لا تستطيع أن تحفظه ولا تستطيع أن تقوله من بعدنا، وأنك لا تحسن إلا أن تسأل الله الجنة وتستعيذ به من النار، فهذه الدندنة التي لا تستطيع أن تقولها كلها الغرض منها في النهاية هذا الذي وصلت له، الذي هو سؤال الجنة والاستعاذة من النار.

فالشاهد أن من سأل الله تعالى الرضوان والجنة والاستعاذة به من النار فهذا أفضل الذكر وأفضل السؤال الذي يوجه لله عز وجل، وإذا رأى شيئاً يعجبه يقول: اللهم إن العيش عيش الآخرة، حتى لا تلهينك الدنيا عن التلبية وذكر الله عز وجل.

ويصح للمحرم أن يبيع ويشتري وهذا لا يضره ولا يؤثر على إحرامه وإن كان هذا خلاف الأولى؛ لأن المحرم ينشغل بالتلبية والذكر والدعاء وغير ذلك، لا ينشغل بالبيع والشراء واللغط ودخول الأسواق التي هي شر البقاع على وجه الأرض.

ولذلك الإمام النووي يقول: وإذا رأيت شيئاً يعجبك فقل: اللهم إن العيش عيش الآخرة، ولا تزال التلبية مستحبة للحاج حتى يشرع في رمي جمرة العقبة يوم النحر، أو يطوف طواف الإفاضة إن قدمه عليها، أو الحلق عند من يقول: الحلق نسك، وهو الصحيح.

وتستحب للعمرة حتى يشرع في الطواف.

يعني: التلبية تستحب لك حتى تبدأ في الطواف على النحو الذي ذكرناه آنفاً.

وتستحب التلبية للمحرم مطلقاً، سو