[سبب نزول سورة (المنافقون)]
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، أما بعد: فمع كتاب صفات المنافقين وأحكامهم.
قال النووي: (كتاب صفات المنافقين وأحكامهم).
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا الحسن بن موسى -وهو الأشيب أبو علي البغدادي قاضي الموصل- قال: حدثنا زهير بن معاوية -وهو ابن معاوية بن حديج أبو خيثمة الجعفي الكوفي، وسماعه من أبي إسحاق السبيعي في آخره، وقد اختلط، ففي سماعه من أبي إسحاق نظر- قال: حدثنا أبو إسحاق أنه سمع زيد بن أرقم رضي الله عنه يقول: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر أصاب الناس فيه شدة، فقال عبد الله بن أبي بن سلول زعيم المنافقين لأصحابه: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله).
قال زهير - وهو ابن معاوية - راوي الحديث: وهي قراءة من خفض: (حوله)] أي: كسر اللام في قوله: (حولِه).
[وقال عبد الله بن أبي ابن سلول: {لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ} [المنافقون:٨]].
أي: كأنه يتوعد النبي صلى الله عليه وسلم، ويثبت في هذا القول أنه هو الأعز، ورسول الله هو الأذل، فهو يتوعد بإخراج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة.
قال: {لَئِنْ رَجَعْنَا} [المنافقون:٨] أي: من سفرنا هذا، ومن غزوتنا هذه {إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ} [المنافقون:٨].
[قال زيد بن أرقم: (فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك)] أي: فأخبرته بمقالة المنافق عبد الله بن أبي ابن سلول، [(فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أبي فسأله -أي: عن هذه المقالة-: أأنت الذي قلت: لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا؟)] أي: حتى يتفرقوا من حوله [(وأنت الذي قلت: {لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ} [المنافقون:٨]؟ فاجتهد عبد الله بن أبي ابن سلول يمينه ما فعل)] يعني: حلف أيماناً مغلظة أنه ما قال ذلك.
[فقال: (كذب زيد رسول الله صلى الله عليه وسلم)] أي: فقال ابن أبي: كذب زيد بن أرقم على النبي صلى الله عليه وسلم بهذا، وما أراد إلا الفتنة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أصحابه.
قال زيد بن أرقم: [(فوقع في نفسي مما قالوه شدة)] يعني: لما اتهم بالكذب وقد سكت النبي عليه الصلاة والسلام عن عبد الله بن أبي، وقع في نفس زيد بن أرقم شدة، يعني: حزن وهم وغم شديد؛ لأنه صارت صورته صورة كاذب ونمام يريد أن يوقع الفساد والشر بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أصحابه.
قال: [(فوقع في نفسي مما قالوه شدة، حتى أنزل الله تصديقي)].
أي: في قوله: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} [المنافقون:١] إلى آخر الآيات.
فهنا أثبت الله تبارك وتعالى صدق زيد بن أرقم، كما أثبت نفاق عبد الله بن أبي ابن سلول، وعبد الله لم يكن من عامة المنافقين، وإنما كان على رأس المنافقين، فهو إمام في الشر.
قال زيد بن أرقم: [(ثم دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم ليستغفر لهم، قال: فلووا رءوسهم)] يعني: استنكفوا وأبوا أن يأتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلووا رءوسهم لي المعرض الجاحد المستغني.
وقوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون:٤] أي: هؤلاء المنافقون.
[وقال زيد بن أرقم: كانوا رجالاً أجمل شيء]، يعني: من جهة أبدانهم وجمال منظرهم كانوا في قمة الجمال، ولكن مخبرهم كان في قمة الفساد والضلال والنفاق والكفر.
والكفر كفران، والفسق فسقان، وكذلك النفاق منه ما هو أكبر، ومنه ما هو أصغر، والأكبر منه هو المخرج عن الملة، وهو أن يبطن الإنسان الكفر ويظهر الإسلام؛ كحال المنافقين الذين كانوا على زمانه عليه الصلاة والسلام، وحال الملاحدة والعلمانيين في كل زمان ومكان إلى قيام الساعة، الذين يقولون: نحن علمانيون، ولا مانع قط أن يجتمع الإسلام مع العلمانية، وأن يجتمع الإسلام مع الإلحاد و