[حكم استخدام كلمة (لو) و (لولا) فيما مضى وفيما يستقبل]
قال: (أما قوله: (لو قال: إن شاء الله لجاهدوا) فيه جواز قول: لو، ولولا.
قال القاضي: وهذا يستدل به على جواز قول: لو، ولولا، وقد جاء في القرآن كثيراً، وفي كلام الصحابة والسلف، بل ترجم البخاري على هذا الحديث: باب: ما يجوز من اللو).
ظاهره التعارض مع قوله عليه الصلاة والسلام: (فلا تقل: لو كان كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان)، فيتوهم التعارض، توجد آيات وأحاديث فيها: (لو، ولولا)، وهذا حديث ينهانا أن نقول لشيء: لو كان كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فالجمع كما في قول الله تعالى: (في قول لوط صلى الله عليه وسلم: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود:٨٠]-فهنا استخدم لو- وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كنت راجماً بغير بينة لرجمت هذه)).
قاله عليه الصلاة والسلام لامرأة بغي معلومة البغاء، وذاع خبرها وانتشر صيتها، وهذه المرأة هي عناق كانت في الجاهلية بغياً، وكان بيتها بيت دعارة، وبيت زنا، وكانت تقف على باب دارها وتدعو الناس إليها، حتى أسلم صاحبها، فلما دخل مكة مستخفياً رأته، فقالت: يا فلان! ألك حاجة في أن تبيت عندنا الليلة؟! قال: لا، وهذا الرجل قد استأذن النبي عليه الصلاة والسلام أن يتزوجها، فلم يأذن له، فقال: إني استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن أتزوجك فلم يأذن لي، قالت: أليس لك أن تبيت عندنا الليلة؟! قال: لا، قد منعني من ذلك إسلامي وإيماني، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لو كنت راجماً أحداً بغير بينة لرجمت هذه)، ولكنه أُمر في الشرع ألا يرجم إلا من أقرت بالزنا على نفسها، أو رآها أربعة شهود رأي عين، فلما لم يكن هذا وذاك قال: (لو كنت راجماً)، أي: لو أذن لي ربي أن أرجم امرأة بغير بينة لرجمت هذه، ولكن لما كانت البينة شرطاً لم يرجمها النبي عليه الصلاة والسلام.
قال: (وقوله: (لو مد لي الشهر لواصلت)) يعني: استخدم كلمة (لو)، وذلك لما نهى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عن وصال الصوم، فواصلوا، فواصل بهم، ولكن أدركهم عيد الفطر، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لو مد لي الشهر لواصلت)؛ أي: عقوبة لأصحابه الذين خالفوا أمره وواصلوا الصوم، رغم نهيه عن ذلك؛ ليرى كيف سيعمل الصحابة.
ثم قال: (وقوله عليه الصلاة والسلام: (لولا حدثان قومكِ بالكفر لأتممت البيت على قواعد إبراهيم) وقال عليه الصلاة والسلام: (لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار)) فاستخدم (لولا) في الحديثين مع أنه قد نهى عنها، وأمثال هذا كثير.
ثم قال: (والذي يفهم من ترجمة البخاري وما ذكره في الباب من القرآن والآثار: أنه يجوز استعمال (لو، ولولا) فيما يكون للاستقبال، أما جواز ذلك في أمر قد مضى على سبيل التحسر والتأثم وترك الإيمان بالقدر فهو غير جائز) يعني: لك أن تستخدم (لو) كما لو قلت: لو أصبح بي الصباح لزرتك، هذا كلام مباح، وهو في المستقبل، أما قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ولا تقولن لشيء: لو كان كذا لكان كذا وكذا)؛ لأنه في شيء مضى، وقلته على سبيل التندم والتحسر، وترك الإيمان بالقدر، ولذلك قال: (ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل)، يعني: في الأمور الماضية، أما في الأمور المستقبلة فلا بأس بكلمة (لو، ولولا).
قال: (وأما هذا الحديث الذي نحن فيه، فإنما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن يقين نفسه، أن سليمان لو قال: (إن شاء الله لجاهدوا) إذ ليس هذا مما يدرك بالظن والاجتهاد، وإنما أخبر عن حقيقة أعلمه الله تعالى بها، وهو نحو قوله صلى الله عليه وسلم: (لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم، ولولا حواء لم تخن امرأة زوجها)) هذا الحديث في الصحيحين؛ لأن الله عز وجل منَّ على بني إسرائيل بالمن والسلوى، المن هو اللحم، والسلوى هي الحلوى، فالله عز وجل وهب بني إسرائيل الطعام والحلوى، وأمرهم بالأكل منهما، فادخروهما، فكان أول لحم أنتن في بني إسرائيل.
أما قوله: (لولا حواء لم تخن امرأة زوجها)، هو تأثير إبليس عليها بالغواية والإضلال، وإقناعها قبل إقناع آدم بالأكل من الشجرة، ثم سلطها إبليس بعد ذلك على آدم، حتى أكل من الشجرة، قال: (لولا حواء لم تخن أنثى زوجها)، فخيانة حواء أن قبلت بغواية إبليس فأغوت زوجها.
فها هو استخدم هنا كلمة: (لولا).
ثم قال: (فلا معارضة بين هذا وبين حديث النهي عن (لو)، وقد قال الله تعالى: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمران:١٥٤].
وقال تعالى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [الأنعام:٢٨].
وكذلك ما جاء من (لولا) كقوله تعالى: {