للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم لقطة الحاج]

ورد في الحديث: (نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن لقطة الحاج)، وهذا الحديث الذي جاء في الصحيحين يقيده قوله عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة رضي الله عنها مرفوعاً في لقطة مكة قال: (ولا تلتقط ساقطتها إلا لمنشد) يعني: لا يحل لأحد أن يلقط لقطة مكة إلا إذا كان بنية الإنشاد والتعريف.

والحمد لله تعالى.

إذاً: لا يحل التقاط لقطة مكة على سبيل التملك إنما على سبيل الإنشاد.

والحكومة السعودية الآن سهلت عليك أمر هذه اللقطة بتخصيص أماكن في الحرم لوضعها فيها، فمن وجد شيئاً يلتقطه ولا حرج، وعليه أن يذهب به إلى هذه الأماكن، وبذلك تبرأ عهدته من هذه اللقطة.

وقد ذكرنا أن من أركان اللقطة: الركن الأول: هو اللقط.

والركن الثاني: الملتقط.

والثالث: هو الملقوط أو الملقط.

فالملتقط: وهو من له أهلية الاكتساب أو الاحتفاظ والتملك، ويشترط فيه أن يكون حراً مسلماً مكلفاً أميناً.

ومن أهل العلم من أجاز التقاط الذمي إذا كان أميناً؛ لأنه من أهل الاكتساب والتملك تماماً كالمسلم، وكذلك الصغير والمجنون والسفيه إذا التقط واحد منهم مالاً ضائعاً ثبتت يده عليه لكن يتصرف فيه الوصي أو الولي بلا شك.

فإذا كان الملتقط ليس واحداً وإنما هو اثنين أو ثلاثة أو جماعة من الناس، فلها حكم آخر، فلو التقط اثنان مالاً ضائعاً ثم ترك أحدهما حقه منه للآخر لم يسقط حقه، ولو أقام كلاهما البينة على أنه هو الملتقط وحده ولا تاريخ في البينتين تبقى اللقطة لمن هي بيده؛ لأنه صاحب اليد عليها.

ولو أمر إنساناً آخر بالتقاط شيء رآه فالتقطه فاللقطة إن قصد أنها له فإن الملتقط يناوله إياها، وإن قصد أن يلتقطها وتكون في حوزته فهي للذي التقط، وإن رأياها جميعاً فبادر أحدهما فأخذها، أو رآها أحدهما فأعلم بها صاحبه فأخذها فهي للآخذ وليس للرائي؛ لأن استحقاق اللقطة بالالتقاط لا بالرؤية.

وهذا الحكم الشرعي وهو أن اللقطة لمن التقط وليس لمن رأى.

وإذا رأيت اللقطة وسبقتك يد إليها، تكون لصاحب اليد ولا تكون لصاحب العين.

الركن الثالث من أركان اللقطة: الملقوط الذي هو المال المحترم غير المحرز، الذي لا يعلم الواجد مستحقه، وهو إما حيوان ويسمى ضالة، أو غير حيوان ويسمى لقطة.

أما المال المباح فلا يكون لقطة؛ لأنه ليس له مالك.

فإذا تحققت الأركان الثلاثة السابقة نكون قد حققنا معنى اللقطة اصطلاحاً.

وإليك بعض الأمثلة: إذا أخذ ثياب غيره أو متاعه أو حذاءه قصداً أو سهواً، وترك متاعه، ولم يتعمد الآخذ الأخذ فالمتروك لقطة إن كان على سبيل الخطأ، وإن تعمد الأخذ جاز للمأخوذ حذاءه بيع المتروك واستحقاق الثمن، لكن في الغالب أن هذا المأخوذ لا يساوي شيئاً، ولكن هذا حكم شرعي على أية حال، وهو أنه يجوز لك بيع المتروك والملتقط مكان ما ضاع منك عمداً، وإن كان لا يساوي شيئاً، ويجوز بيعه والتصرف فيه.

ومن ترك مختاراً دابة بمهلكة ويغلب على الظن بل تُيقن أنها ستهلك يكون قد حققنا شرط خوف الضياع أو الهلكة فيكون الالتقاط واجباً بعدما ترك صاحب الدابة دابته في مكان الهلكة وقد رأيتها وغلب على ظني هلاكها وخفت عليها الضياع.

قال: ومن ترك مختاراً -أي: غير مكره ولا مجبر- دابة في مهلكة فأخذها إنسان فأطعمها وسقاها وخلصها من الهلاك فهي له؛ لأن صاحبها تركها مختاراً؛ لأنها في حكم المباح؛ لما أخرجه أبو داود بسند حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من وجد دابة قد عجز عنها أهلها أن يعرفوها فتركوها فأخذها فأحياها فهي له) والحديث صحيح، وهذا مذهب الحنابلة.

ومعرفة اللقطة يكون كما قال عليه الصلاة والسلام: (اعرف عفاصها ووكاءها).

والوكاء: هو الخيط الذي يربط به العفاص.

والعفاص: الوعاء الذي تكون فيه اللقطة.

ويلحق بذلك كل ما يلزم لمعرفة اللقطة ويبين أوصافها مثل جنسها ونوعها وقدرها وما تتميز به عن غيرها، وكل هذا لمعرفة صدق أوصافها إذا ادعي ملكيتها.

قال الحافظ: اختلف في هذه المعرفة على قولين للعلماء أظهرهما الوجوب.

والتعريف مرتين تعريف خاص بالناس عموماً، ويتوسط فيه المعرفة ببعض الأوصاف دون البعض، أما التعريف الذي يلزمني أنا كملتقط أن أعرفك تعريفاً دقيقاً مفصلاً مخافة أن أموت أو مخافة أن أنسى أوصافها.

وعند التعريف باللقطة استحب بعض أهل العلم كتابة أوصافها خوف النسيان، وهذا قول أحمد، والنووي أما كيفية التعريف فهي أن يذكر الملتقط للناس عينها ولا يبين أوصافها بل يذكرها بوصف عام، وأجاز الحنابلة ذكر جنسها من ذهب أو فضة، وقالت الشافعية: تفصل ذكراً أو أنثى، أو يذكر بعض الأوصاف ولا يفصل بالاستيعاب، ويستثنى من هذا الوجوب ما يلي: ما يعلم أن مالكه لا يطلبه وإن كان مالاً مثل: قشر الرمان أو النوى ونحو ذلك مما يرميه الناس ولكنه إذا وجده في يد الملتقط فله أن يأخذه.

يعني: صاحب قشر الرمان أو قشر البطيخ الذي رماه هو ربما رماه ليرجع إليه فالتقطه آخر فوجد ا