[شرح حديث شفاعة أسامة بن زيد في المخزومية التي سرقت من طريق أبي الطاهر وحرملة]
قال: [وحدثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى - واللفظ لـ حرملة - قالا: أخبرنا ابن وهب - عبد الله بن وهب المصري - قال: أخبرني يونس بن يزيد الأيلي عن ابن شهاب الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: (أن قريشاً أهمهم شأن المرأة التي سرقت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم -أي: حبيبه- فأتي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه فيها أسامة بن زيد، فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم -أي: تغير وتمعر وغضب- فقال: أتشفع في حد من حدود الله؟ -على سبيل الإنكار- فقال له أسامة: استغفر لي يا رسول الله!)]؛ لإدراك أسامة أنه ما كان ينبغي أن يكون ذلك منه، فإنه لما أنكر عليه النبي عليه السلام تنبه لخطئه؛ فطلب الاستغفار من النبي عليه الصلاة والسلام، وفي هذا بيان أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا أسرع الخلق توبة واستغفاراً، وكانوا يطلبون ذلك من النبي عليه الصلاة والسلام؛ لعلمهم أن دعاءه مستجاب، فقال: (استغفر لي يا رسول الله!).
قالت: [(فلما كان العشي -أي: لما كان وقت المساء- قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختطب -أي: فخطب الناس- فأثنى على الله بما هو أهله)].
وهذه سنن لمن أراد أن يبدأ بحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يثني على الله خيراً.
قالت: [(ثم قال: أما بعد)] وفي هذا استحباب إذا فرغ الخطيب من مقدمة كلامه أن يفصل بينها وبين الموضوع بكلمة: أما بعد.
أي: بعد فراغي من هذه المقدمة التي اشتملت على الحمد والثناء والتمجيد والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام وغير ذلك أدخل في الموضوع.
قالت: [(قال: ثم أما بعد: فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإني والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها.
ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها)] بعد أن بين النبي عليه الصلاة والسلام أن الناس في الحدود سواء قطع يدها.
[(قال يونس: قال ابن شهاب: قال عروة: قالت عائشة: فحسنت توبتها بعد)]؛ لأن حدها قطع يدها وليس رجمها؛ لأنها لم تكن زانية وإنما كانت سارقة، فلما قطعت يدها حسنت توبتها جداً بعد إقامة الحد عليها.
قالت: [(وتزوجت، وكانت تأتيني بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم)] عائشة رضي الله عنها تقول: حسنت توبتها بعد إقامة الحد عليها وتزوجت وكانت تأتي عائشة في بيتها، فتقص حاجتها إلى عائشة، وعائشة ترفع هذه الحاجة إلى النبي عليه الصلاة والسلام.
والمعلوم أن النبي عليه الصلاة والسلام بالنسبة لنساء الأمة ليس كغيره من بقية الرجال مما حدى ببعض أهل العلم إلى أن يقولوا: أن النبي محرم لجميع نساء الأمة، وليس على ذلك دليل صريح ولا صحيح، وإنما هو قول لبعض فقهاء الشريعة، قالوا: النبي صلى الله عليه وسلم محرم لنساء الأمة، وهذا كلام هو إلى الرد أقرب، قال تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب:٦] لكن هذا شيء، وإثبات أنه محرم لنساء الأمة شيء آخر؛ ولذلك لم يثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام دخل على امرأة ليس عندها محرم.
وحديث أم التيهان: أن النبي عليه الصلاة والسلام ذهب إليها هو وأبو بكر وعمر فقال: (السلام عليكم يا أهل البيت! ثلاث مرات، ثم انصرف عليه الصلاة والسلام، فأسرعت في طلبه أم التيهان قالت: يا رسول الله! والله إني لأسمع سلامك وأرد عليه بصوت منخفض رجاء أن تزيدنا سلاماً، فتفضل يا رسول الله! حتى يأتي أبو التيهان.
قال: أين هو؟ قالت: ذهب ليسقي لنا) يأتينا بالماء.
فلم يدخل النبي عليه الصلاة والسلام حتى أتى أبو التيهان.
ولو كان محرماً لـ أم التيهان عليه الصلاة والسلام لدخل وما كان في ذلك أدنى حرج.
أما دخوله عند أم سليم وغيرها من النساء فهن قريباته رضي الله عنهن وهن محارمه، فله أن يدخل وأن يخرج عليهن ولا حرج في ذلك.
فتقول عائشة: (فحسنت توبتها بعد وتزوجت، وكانت تأتيني بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى النبي عليه الصلاة والسلام).
رب سائل يسأل فيقول: ولم لم ترفع حاجتها إلى الن