[كلام النووي في حديث البراء فيما يقال عند النوم]
يقول الإمام النووي: ((إذا أخذت مضجعك) معناه: إذا أردت النوم في مضجعك، فتوضأ).
قال: (وفي هذا الحديث ثلاث سنن مهمة مستحبة ليست بواجبة: إحداها: الوضوء عند إرادة النوم، فإن كان متوضئاً كفاه ذلك الوضوء)، يعني: أنه لا يلزمه وضوء للنوم؛ لأنه إذا كان قد صلى العشاء مثلاً وهو باق على وضوئه الذي صلى فيه العشاء، فإن ذلك يكفيه؛ لأن الغرض أن ينام على طهارة، لا أن يخص النوم بوضوء، ويسميه وضوء نوم، بل إذا أراد النوم ولم يكن على وضوء توضأ، وإذا كان متوضئاً كفاه.
قال: (لأن المقصود: النوم على طهارة مخافة أن يموت في ليلته، ولا شك أن من مات على طهارة خير وأفضل ممن مات على غير طهارة، وليكون أصدق لرؤياه)، والإنسان إذا نام متوضئاً ورأى رؤيا فإنها تكون صادقة بقدر الإمكان، يعني: رؤيا حقيقية.
قال: (وهي أبعد من تلعب الشيطان به في منامه وترويعه إياه)؛ لوجود الطهارة، وذلك أنه إنما نام على سنة، وسيقوم عليها بإذن الله.
قال: (الثانية: -أي: السنة الثانية- النوم على الشق الأيمن؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يحب التيامن)، وذلك في أمره كله صلى الله عليه وسلم، كما في حديث عائشة: (كان يحب التيامن في تنعله وترجله وفي أمره كله).
وقوله: في تنعله: أي إذا لبس النعل والحذاء بدأ اللبس برجله اليمنى، وإذا أراد أن يخلع بدأ باليسرى، (وإذا رجل شعره -أي: سرح شعره- سرح الشق الأيمن أولاً).
كما كان عليه الصلاة والسلام يحلق شقه الأيمن أولاً قبل الأيسر، وذلك لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يحب التيامن.
قال: (ولأنه أسرع إلى الانتباه)، يعني: أن الشخص إذا نام على جنبه الأيمن كان أسرع انتباهاً من الذي ينام على شقه الأيسر، فمن نام على شقه الأيسر كان نومه ثقيلاً جداً، فما بالكم بمن ينام على بطنه؟ وقد (دخل النبي عليه الصلاة والسلام مسجده فوجد رجلاً قد اضطجع أو انبطح على بطنه فضربه بقدمه وقال: من هذا؟ قالوا: هذا فلان يا رسول الله! قال: أما علمت أن هذه ضجعة الشيطان).
أي: هذه نومة الشيطان وليست نومة بني آدم، فمن نام على بطنه ففيه شبه من الشيطان في هديه في نومه.
قال: (الثالثة: ذكر الله تعالى؛ ليكون خاتمة عمله).
يعني: لا ينام المرء إلا على ذكر، حتى يكون آخر عمله الذي عمله مؤخراً ثم مات بعده من ليلته هو ذكر الله تعالى، والأعمال بالخواتيم، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالخواتيم).
وقد قرأت بحثاً علمياً لأحد الأطباء المبرزين ذكر فيه: أن النوم على الشق الأيسر يضر بالقلب.
وقال: من أخطر الأشياء إسراعاً لفساد القلب أو تضرره هو النوم على الشق الأيسر؛ لأن هذا لا يجعل القلب يعمل بصورة طبيعية، وإنما يتأثر بضغطه في الفراش.
ولا بأس من ضم هذا الكلام إلى كلام أهل العلم في شرح هذا الحديث.
النائم ينادي ويناجي ربه بكلمات مباركات، وهي: (إني أسلمت وجهي إليك).
وفي رواية: (أسلمت نفسي إليك).
فالوجه والنفس سواء؛ لأن الوجه يدل على النفس، والنفس تدل على الوجه، فكلاهما بمعنى واحد.
(أي: استسلمت وجعلت نفسي منقادة لك، طائعة لحكمك.
قال العلماء: يقال: سلم وأسلم واستسلم بمعنى واحد).
قال: (ومعنى: (ألجأت ظهري إليك).
أي: توكلت عليك واعتمدتك في أمري كله كما يعتمد الإنسان بظهره إلى من يسنده).
يعني: يا رب! ليس لي سواك، وكل اعتمادي وتوكلي عليك.
قال: (وقوله: (رغبة ورهبة إليك) أي: طمعاً في ثوابك وخوفاً من عذابك)، والعبد لا ينجو بين يدي الله عز وجل إلا بهذين، بأن يعبد ربه بجناحي الخوف والرجاء، الخوف من عقابه وناره وعذابه، والرجاء لرحمته وسعة فضله وجنته وثوابه في الدنيا والآخرة، وغير ذلك مما يرجوه العبد من ربه.
وهذا يُرد به على من قال من الصوفية: إنه لم يعبد ربه إلا بجناح الرجاء، وأنه لا يخاف الله تعالى؛ لأن الله تعالى حبيبه، والحبيب لا يعذب حبيبه، وقال: إن الخوف نقص في العبادة.
والذي قال هذا هي رابعة العدوية، ثم ذكرت لهذا مثلاً وقالت: إن الولد إذا خاف من أبيه فإن تبجيله وتعظيمه لأبيه لا يكون تبجيلاً وتعظيماً صحيحاً.
فقاست الخوف من الله عز وجل على الخوف من المخلوقين، والقياس غير صحيح؛ لوجود الفارق، وهذا الفارق هو تماماً نفس الفارق بين الخالق والمخلوق.
والنبي عليه الصلاة والسلام هو الذي كان يقول هذا الكلام إذا أخذ مضجعه، فقد كان يقول: (رهبة ورغبة إليك).
فالنبي عليه الصلاة والسلام كان يخاف الله تعالى، كما أنه كان يرجو الله تعالى، وعلى من دون النبي عليه الصلاة والسلام رابعة وخامسة وسادسة وغيرها أن تكون أشد خوفاً من الله عز وجل من النبي عليه الصلاة والسلام، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أما إني أخشاكم لله وأتقاكم له)، وفي رواية: (إني أعرفكم بالله وإني أخشاكم لله وأتقاكم له).
وكلما ازداد المرء علماً بالله عز وجل ازداد منه خوفاً وقرباً