[فضل الرمي في سبيل الله]
عن عبد الله بن الزبير قال: (كنت أنا وعمر بن أبي سلمة) وهو ربيب النبي صلى الله عليه وسلم -أي: تربى في حجره؛ لأنه عليه الصلاة والسلام كان زوجاً لـ أم سلمة رضي الله عنها- في الأطم -أي: الحصون- فيطأطئ لي، فأعلو ظهره).
عبد الله بن الزبير يقول: أنا وعمر كنا نتناوب في الحصون النظر إلى العدو أو إلى الجيش، فكان مرة يطأطئ لي فأصعد على ظهره، ومرة أطأطئ له فيصعد على ظهري.
قال: (فرأيت أبي وهو يجول) أي: يذهب ويجيء في معسكر العدو، ويحمل على هؤلاء مرة وعلى هؤلاء مرة، وكأن جيش العدو كان على ميمنة وميسرة، فهو يحمل على الميمنة وعلى الميسرة وحده.
قال: (فلما رجع قلت: يا أبه! لقد رأيتك اليوم.
قال: وقد رأيتني؟ لقد جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه فقال: إيه فداك أبي وأمي) النبي عليه الصلاة والسلام لم يجمع أبويه قط إلا للزبير بن العوام ولـ سعد بن أبي وقاص.
قال لـ سعد: (ارم فداك أبي وأمي) وقال للزبير بن العوام: (إيه فداك أبي وأمي) وهي كلمة تعجب أو غير ذلك.
وعن عتبة بن عبد السلمي قال: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالقتال قال: فرمى رجل بسهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أوجب هذا) أي: بمجرد أنه يرمي ولو بسهم واحد وجبت له الجنة.
وهذا يدل على شرف الجهاد خاصة الطويل منه، إنسان يرابط حياته كلها لله عز وجل، أو يحرس في سبيل الله، أو يرمي في سبيل الله، أو يجاهد في سبيل الله بالليل والنهار، فإذا كان الذي يضرب بسهم واحد في سبيل الله قد وجبت له الجنة فما بالك بمن رمى بأسهم كثيرة؟ وعن شرحبيل بن السند أنه قال لـ عمرو بن عبسة رضي الله عنه: يا عمرو! حدثنا حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من رمى بسهم في سبيل الله بلغ العدو أو لم يبلغ كان له عدل رقبة).
قوله: (في سبيل الله) أي: ليس فيه رياء ولا سمعة، ولا أشر ولا بطر، وإنما فعل ذلك ابتغاء وجه الله وإعلاءً لكلمة الله عز وجل، والإخلاص عليه مدار العمل، وكذا اتباع السنة.
قال: من فعل ذلك ولو مرة واحدة فهو كمن أعتق رقبة في سبيل الله عز وجل.
وعن أبي نجيح السلمي قال: (حاصرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر الطائف.
قال: فسمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: من رمى بسهم في سبيل الله فبلغ فله درجة في الجنة) أي: فبلغ العدو وأصابه فله درجة في الجنة.
قال رجل: (يا نبي الله! إن رميت فبلغت فلي درجة؟ قال: نعم.
فبلغ يومئذ ستة عشر سهماً) أي: أن الرجل حرص أن يكون له في الجنة أعلى الدرجات فحصل من المائة درجة ستة عشر درجة بستة عشر سهماً.
قال: وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من رمى بسهم في سبيل الله فهو عدل محرر) أي: عدل رقبة حررها سيدها.