للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[باب وجوب الدم على المتمتع، وأنه إذا عدمه لزمه صوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله]

قال: [باب وجوب الدم على المتمتع، وأنه إذا عدمه لزمه صوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله.

عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج)].

والتمتع هنا المقصود به التمتع اللغوي، وهو الارتفاق والانضمام، وهو أنه جمع العمرة إلى الحج وجمع الحج إلى العمرة قراناً، وهذا يسمى تمتعاً من جهة اللغة، فالنبي عليه الصلاة والسلام أحرم بالحج مفرداً من ذي الحليفة، ولما قارب مكة نوى إدخال العمرة على الحج فكان قارناً، فهو أول الأمر كان مفرداً ثم قرن قبل طواف القدوم.

قال: [(تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج، وأهدى، فساق معه الهدي من ذي الحليفة، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة -يعني: لما قدم مكة أهل بالعمرة- ثم أهل بالحج، وتمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج، فكان من الناس من أهدى فساق الهدي -أي: من الميقات- ومنهم من لم يهد -أي: ومنهم من لم يسق معه الهدي من الميقات- فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قال للناس: من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه) يعني: من ساق معه الهدي من الميقات فإن حجه قران، والقارن لا يحل من حجه حتى يحج حجه الأكبر، وحينئذ يحل، فالمفرد والقارن لا يحلان إلا في يوم النحر، وأما المتمتع فإنه إذا اعتمر فقد تحلل من إحرامه تماماً وحل له كل شيء حتى النساء، ثم يهل بالحج يوم التروية.

قال: [(ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة، وليقصر وليحلل) يعني: الذي لم يسق الهدي يعتمر، فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ويقصر أو يحلق ويتحلل من عمرته تماماً.

قال: [(ثم ليهل بالحج وليهد)].

والهدي يكون في يوم النحر أو في ثلاثة أيام التشريق سواء كان ذلك بالنسبة للقارن أو للمتمتع.

وسيتحدد هل هو قارن أم لا من الميقات، فإذا كان قد ساق الهدي معه فهو قارن لا محالة، وإذا لم يكن قد ساق الهدي فإما أن يجد هدياً في مكة أو لا يجد، فإذا وجده كان متمتعاً وإلا فلا.

قال: [(فمن لم يجد هدياً -أي: من المتمتعين الذين تحللوا من عمرتهم وفصلوا بينها وبين الحج- فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، وطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت حين قدم مكة، فاستلم الركن أول شيء)]، وهو الركن الذي فيه الحجر الأسود، فالطائف حول البيت لابد أن يبدأ الطواف من عند الحجر الأسود، ويجعل البيت عن شماله، ولابد أن يطوف من خارج حجر إسماعيل، فإن طاف من داخل الحجر -أي: كان هو بين الحجر وبين الكعبة لم يحسب طوافه؛ لأن حجر إسماعيل من الكعبة، فكأنه طاف داخل الكعبة، والأصل في الطواف أنه يكون حول الكعبة.

قال: [(ثم خب ثلاثة أطواف من السبع، ومشى أربعة أطواف، ثم ركع) أي: ثم صلى ركعتين، فمن تيسر له الصلاة خلف مقام إبراهيم فهو السنة، ومن لم يتيسر له ذلك فيجزئه أن يصلي ركعتين في أي موطن من الحرم.

قال: [(ثم ركع حين قضى طوافه بالبيت عند المقام -ويقرأ في الأولى بعد فاتحة الكتاب بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:١]، وفي الثانية بعد فاتحة الكتاب بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:١]- ثم سلم فانصرف -أي: فانصرف من صلاته- فأتى الصفا فطاف بالصفا والمروة سبعة أطواف)].

ويحسب السعي من الصفا إلى المروة شوطاً ومن المروة إلى الصفا شوطاً، وبعض الناس يخطئ ويعد السعي من الصفا إلى المروة إلى الصفا شوطاً واحداً، فيسعى بين الصفا والمروة أربعة عشر شوطاً، وهذا بخلاف السنة، ولا يفعله إلا الجهلاء من الناس، وأما أهل العلم وطلاب العلم والكثير من الناس فيعرفون أن السعي من الصفا إلى المروة شوط ومن المروة إلى الصفا شوط، فيبدأ السعي من الصفا وينتهي عند المروة، كما رتبه الله عز وجل في قوله: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} [البقرة:١٥٨].

وأهل العلم يقولون: يتحلل من إحرامه بالحلق عند المروة، كما أن الحاج يتحلل من إحرامه بالحلق عند جمرة العقبة الكبرى كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام، وإذا حلق في أي مكان من الحرم جاز له ذلك، ولا بد أن يكون داخل حدود الحرم، وحدود الحرم تبدأ من التنعيم غرباً إلى عرفة شرقاً أو شمالاً والجعرانة وغير ذلك من الأماكن التي تحد اسم الحرم، فمن حلق في أي مكان منها كان له ذلك.

ولا ينبغي للمعتمر أو للحاج أن يخرج خارج حدود الحرم فيحلق في الحل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم في سنته العملية بين أن المعتمر إنما يتحلل من إحرامه عند