أقبل الحجاج بن يوسف على يحيى بن يعمر بوجهه، وقال: يا يحيى! أتراني ألحن؟ يعني: أخطئ إذا تكلمت؟ قال: الأمير أجل من ذلك، أي: الأمير أجل من أن يلحن ويخطئ، فقال: عزمت عليك إلا أخبرتني، فقال: نعم تلحن، وعزائم الملوك كانت محل احترام عند السلف، قال: في أي شيء؟ قال: في كتاب الله تلحن.
والحجاج ليس له حسنة إلا أنه كان يكرم القراء ويحب القرآن، فقال: في كتاب الله؟ قال: نعم، قال: ائتني، قال: إنك تقول: (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم) إلى (أحبُّ إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله)، وهي: أحبَّ، فقال: نعم، لقد أثبت لي أني ألحن، ثم قال: يا يحيى! والله لن تسمعني بعد ذلك ألحن، فاستبشر يحيى بن يعمر خيراً وقال: سيتعلم اللغة أو شيئاً من العلم من أجل ألا يلحن، فإذا به ينفيه إلى مرو، فاستقبله قتيبة بن مسلم وجعله قاضياً على مرو.
ثم أرسل الحجاج يزيد بن المهلب على رأس سرية إلى نيسابور ليقاتل هناك، فلما دارت المعركة قال الحجاج لـ يزيد: وافني بأخبار المعركة أولاً بأول، وكان يزيد بن المهلب جواداً سخياً، وهذا مشهور من سيرته، حتى قيل: إنه ذهب ليحج، وفي يوم النحر أعطى الحلاق الذي حلق رأسه ألف دينار، فقال الحلاق: والله لن أحلق لأحد بعدك، فقال: أعطوه ألفاً أخرى، قال: أذهب فأبشر أمي، قال: أعطوه ألفين، فأصبحت أربعة آلاف، فقال: امرأتي طالق إن حلقت لأحد بعدك، وكانت لغته ليست فصيحة، فلما وصف المعركة للحجاج كتب له أخبار المعركة كلها، وقال: والعدو في عرعرة من الجبل ونحن في الحضيض.
فلما قرأ الحجاج قوله: عرعرة تساءل من أين أتى بهذا الكلام؟ فـ يزيد معروف أنه لا يعرف شيئاً، فمن أين أتى بهذه الكلمة؟ فلما سأل، قالوا: إن يحيى بن يعمر هناك، فقال: هذا هو، يعني: أنه أتى بهذا الكلام من عند يحيى بن يعمر؛ لأنه كان بليغاً، ويحيى بن يعمر أخذ اللغة عن أستاذها وعن مصدرها أبي الأسود الدؤلي.