وفي هذا الحديث اعتبار القرائن، فعندما ترى شخصاً أو أخاً من الإخوة يدخل عمارة فيها امرأة معروفة بالبغاء، وهذا الأخ يبدو منه التفريط في الذكر والتفريط في العبادة وغيرهما من علامات التفريط الكثيرة في جوانب من العلم والعمل، ثم هو يختم ذلك بأنه يدخل هذا البيت المشبوه لأن فيه امرأة بغياً معلومة البغاء، وقد ذاع أمرها، وانتشر صيتها بين الناس أنها امرأة بغي، فهذه قرائن، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:(لو كنت مقيماً الحد على أحد بغير بينة؛ لأقمته على هذه) وأشار إلى امرأة؛ لأن الشهرة قامت مقام الرؤية العينية.
وفي هذا جواز انتشار الأمر والتحدث عن أهل المعاصي والفسوق؛ ولا يقوم مقام الحد؛ لأن الحد يحتاج إلى رؤية، فالمعصية هنا ثبتت في انتشارها وذيوعها بالقرائن.
فيجوز أن أقول: هذا الأخ إنسان مشبوه، وأحذر منه أصحابه الذين لا يعلمون عنه شيئاً من ذلك، وهو معلن بفسقه، ومقصر في عبادته، ولا يبالي بذلك؛ فيجوز أن نجهر في وجه هذا العاصي أو الفاسق.
فإذا كان الأمر كذلك؛ فقد أحذر من فلان، فقد كان يحضر معنا الجماعة وفجأة قطع الجماعة، وكان يقرأ القرآن ويختمه في كل شهر، أو في أقل من ذلك أو أكثر، وصارت له مدة من الزمان لم يفعل شيئاً من ذلك، وكان مصاحباً لأهل الإيمان والتقى المعروفين بالصلاح وغير ذلك، وترك صحبتهم بغير عذر، ثم صاحب الفسَّاق، وصاحب فلاناً وفلاناً، ثم في آخر الأمر يدخل بيتاً مشبوهاً، وقد بحثنا فلم نجده دخل شقة من الشقق التي في العمارة إلا هذه، فهذه كلها قرائن، وأنا لا أثبت أنه زان، ولكني أثبت أنه قد انحرف.
ولذلك لما جيء للنبي عليه الصلاة والسلام بجمار قال:(إن من الشجر شجرة مثلها مثل المسلم).
إذاً: فلابد للمستمع أن يربط السؤال بالقرينة مباشرة، لماذا الجمار بالذات عندما وضع أمام النبي عليه الصلاة والسلام قال النبي عليه الصلاة والسلام لأصحابه ذلك، والجمار لا يطلع في أي شجرة من الأشجار إلا في شجر النخل؟ إذاً: ففي هذا الحديث إثبات جواز بل استحباب واستحسان الاعتماد على القرائن في إثبات صحة الأمر أو نفيه.
قال: [وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أخبروني بشجرة كالرجل المسلم لا يتحات ورقها)]، يعني: لا يسقط ورقها.
[(قال ابن عمر: فوقع في نفسي أنها النخلة، ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان؛ فكرهت أن أتكلم أو أقول شيئاً، فقال عمر: لئن تكون قلتها أحب إليَّ من كذا وكذا)].