والتقدير أنواع، وكل أنواعه سابقة في علم الله سبحانه وتعالى، وهو يحدث من أمره ما يشاء، ويكون إحداث الله للأشياء في الوقت الذي شاء الله سبحانه أن توجد فيه، فنجد مثلاً التقدير الأول، وهو ما قدره الله على جميع العباد قبل خلقهم وخلق السماوات والأرض من سعادة وشقاوة ونعيم وجحيم، كما جاء في الحديث:(كتب الله مقادير الخلائق)، الحديث، وهو تقدير الله عز وجل التقدير العام لجميع المخلوقات قبل أن يخلق السماوات والأرض، فإن الله عز وجل قد علم كل شيء قبل أن يخلق السماوات والأرض.
وأما التقدير الثاني فهو الذي يكون لكل إنسان وهو في بطن أمه، وهو تقدير خاص لكل إنسان على حدة، وهو يحدث للجنين في بطن أمه.
قال: فحينما تحمل المرأة وتمضي فترة معينة من الحمل يرسل الله سبحانه وتعالى ملكاً إلى الجنين، فينفخ فيه الروح، ويأمره أن يكتب سعادته وشقاوته ورزقه وأجله، وفي هذا جاء حديث الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم الذي رواه ابن مسعود وغيره، وفيه يقول:(حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: إن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الله إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها).
والعكس بالعكس.
وهذا الحديث متفق عليه.
وفي هذا الحديث الشريف بين النبي صلى الله عليه وسلم أن النطفة بعدما توضع في الرحم وتمر بهذه الأطوار الثلاثة -نطفة ثم علقة ثم مضغة- يرسل الله عز وجل ملكاً فيكتب رزقه وأجله وشقي أو سعيد.
ثم أرشد الحديث إلى أن أقدار الله غالبة والعاقبة غائبة، فعلى الإنسان ألا يغتر بظاهر الحال، فقد يعمل الإنسان بعمل أهل السعادة وقد كتب من أهل الشقاء، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الشقاوة فيدخل النار، والعكس بالعكس كذلك، وهذا ما يعرف بسوء الخاتمة أو حسنها، نعوذ بالله من سوء الخاتمة.
وقد كان السلف رضوان الله تبارك وتعالى عليهم يخافون من سوء العاقبة، وكانوا يسألون الله عز وجل أن يقيهم فتنة الممات وسكرات الموت، حتى لا يفتنون لحظة خروجهم من الحياة، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة منبهة على أهمية كلمة التوحيد في هذا الوقت، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة).
والتقدير الثالث: تقدير سنوي، وهو يحدث في كل عام في ليلة القدر، ولا يبتدئه الله ابتداء، وإنما هو تقدير تابع للعلم السابق الذي قدره الله عز وجل، وهذا التقدير يتم في ليلة القدر، قال الله تعالى:{حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ}[الدخان:١ - ٥].
وأما التقدير الرابع: فهو التقدير اليومي، قال الله تعالى:{يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}[الرحمن:٢٩]، يعني: يغفر ذنباً، ويفرج كرباً، ويرفع أقواماً، ويخفض ويضع آخرين، يغني فقيراً ويفقر غنياً، يذل أقواماً ويعز أقواماً، كل يوم هو في شأن سبحانه وتعالى.