قال:(واختلف العلماء من السلف وغيرهم في إطلاق الإنسان قوله: أنا مؤمن، أو قوله: أنا مؤمن إن شاء الله).
وهذه المسألة تعرف بمسألة الاستثناء في الإيمان، وقد قال الله عز وجل:{فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}[النجم:٣٢].
فيجوز للمرء أن يقول: أنا مؤمن إذا كان يقصد مطلق الإيمان، وهو التصديق، ولا يجوز له أن يقول: أنا مؤمن إذا كان القصد منه الإيمان المطلق؛ لأنه في هذه الحالة يزكي نفسه، أو أنه يجوز ذلك من باب الإخبار، فيجوز أن يخبر عن نفسه وعن حقيقة قلبه بأنه يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره؛ لأن من لم يكن كذلك فليس من المؤمنين.
وأما الاستثناء فباعتبار الخاتمة والعاقبة، يعني: باعتبار أنه لا يعلم ما سيختم له به، فالاستثناء هنا جائز، ولا يجوز الاستثناء في الإيمان إلا بهذا الاعتبار، أي: باعتبار الخاتمة والعاقبة؛ لأنه لا يدري ما يختم له به.
قال:(وأما الكافر ففيه خلاف غريب لأصحابنا، منهم من قال: يقال: هو كافر، ولا يقال: إن شاء الله، ومنهم من قال: هو في التقييد كالمسلم على ما تقدم، فيقال على قول التقييد: هو كافر إن شاء الله؛ نظراً إلى الخاتمة وأنها مجهولة.
وهذا القول اختاره بعض المحققين).
والمذهب الراجح أن الكافر لا يستثنى فيه، فالكافر يقال: إنه كافر، حتى وإن أسلم بينه وبين نفسه إن لم يظهر هذا الإسلام، فيجوز للمسلمين أن يطلقوا عليه لفظ الكفر، مادام قد أخفى إيمانه، وأخفى الأعمال التي تدل على إسلامه أو إيمانه.
ويجوز للمسلم أن يطلق عليه لفظ الكفر ولا يستثني في ذلك، فيكون كافراً عند الناس، ويكون عند الله تعالى مؤمناً.
وهذه الشبهة دخلت على بعض المحققين من الاستثناء في إطلاق الكفر، أي: هل نقول للكافر في الظاهر: أنت كافر، أو نقول له: أنت كافر إن شاء الله؟ فقالوا: نحن لا ندري ما حقيقة أمره بينه وبين الله، ولا ما الخاتمة التي يختم له بها، ولذلك اختار بعض المحققين أن يقال: هو كافر إن شاء الله، وهذا قول مرجوح، والراجح أن الكافر إذا لم يعلن إسلامه وإيمانه أنه يقال فيه: كافر دون استثناء، وأما عاقبته فبينه وبين الله عز وجل.