شرح حديث: (خذوا الشيطان، لأن يمتلئ جوف رجل قيحاً)
قال: [حدثنا قتيبة بن سعيد الثقفي، حدثنا ليث، عن ابن الهاد].
وابن الهاد هو: عبد الله بن يزيد بن الهاد، هكذا لغة المحدثين، فلا يقولون: ابن الهادي، وإنما يقولون: ابن الهاد، والأفصح قول اللغويين وهو: ابن الهادي، فاللغويون يثبتون الياء دون المحدثين فإنهم لا يثبتونها.
قال: [عن يحنس.
وهو ابن عبد الله المدني أبو موسى مولى آل الزبير، وهذا الاسم سيئ؛ لأنه مشعر بالنصرانية، وكان من المفترض أن النبي صلى الله عليه وسلم يغيره، أليس كذلك؟! يحنس من الطبقة السابعة.
أي: أن بينه وبين النبي عليه الصلاة والسلام لا يقل عن ستين أو سبعين سنة، فكيف يغير النبي عليه الصلاة والسلام اسمه؟! قال: [عن يحنس مولى مصعب بن الزبير، عن أبي سعيد الخدري قال: بينا نحن نسير].
و (بينما) هي مكتوبة (بينا) بغير الميم، لكنها تنطق (بينما) وتكتب (بينا)، والفصيح في الكتابة (بينا)، وإذا قرئت تقرأ (بينما).
يعني: في الوقت الذي نحن فيه جلوس حصل كذا وكذا، كقول عمر: (بينا نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ اطلع علينا رجل شديد بياض الثياب) إلى آخر الحديث.
والمعنى: في حال جلوسنا مع النبي عليه الصلاة والسلام إذ اطلع علينا رجل، فهذا لبيان الحال.
قال: (بينا نحن نسير)، أي: بينما نحن نسير، يعني: في الوقت الذي نسير فيه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه مثل أن تقرأ: ثنا فلان، اختصار لكلمة: (حدثنا)، و (أنبا) فلان، اختصار لكلمة: (أنبأنا)، وهذا في لغة التحمل، أما في الأسماء فالأنبا منطقة سكانية.
قال: [بينما نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرْج].
والعرْج اسم قرية، وهي من عمل الفرع على نحو ثمانية وسبعين ميلاً من المدينة، والفرْع هذا بجوار القصيم.
قال: [بينما نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرج، إذ عرض شاعر ينشد -يعني: خرج علينا رجل وهو ينشد- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خذوا الشيطان -سماه شيطاناً- أو أمسكوا الشيطان)]، ومعنى خذوا: أي: احجزوه وأمسكوه، ثم قال: [(لأن يمتلئ جوف رجل قيحاً، خير له من أن يمتلئ شعراً)].
لفظ الحديث يقول: (من أن يمتلئ): إذاً: فالمذموم الإكثار، والقضية لو كانت متعلقة بالإكثار فالمرء لو أن جوفه ومعدته امتلأت قيحاً خير له من أن تمتلئ شعراً فحسب.
ولذلك عندما تنظر لشخص يحب الشعر كثيراً -حتى وإن كان شعراً جيداً- فهو في ليله ونهاره يقرض الشعر ويصنع الشعر ويؤلف الشعر ويأتي إلى العروض ويصنع القوافي وغير ذلك، وهكذا حياته بالليل والنهار، وربما مضت من عمره السنين وهو على حاله هذه، وما فكر يوماً أن يأخذ كتاب الله تبارك الله تعالى بيديه ويقرأ فيه، فهذا الرجل مع اعترافنا بأنه يقصد شعراً جيداً حسناً إلا أنه مذموم، لأنه ألهاه عن ذكر الله، وألهاه عن كلام الله عز وجل، فأتت الكراهة هنا -وأنا أقول: الكراهة فقط- لأن هذا الشعر وإن كان حسناً إلا أنه ألهاه عن كتاب الله وعن سنة النبي عليه الصلاة والسلام، وإن كان شعراً قبيحاً فهو حرام؛ لأنه أولاً قبيح في ذاته، ولأنه ثانياً -شغله- عن ذكر الله.
وأنا قد قلت في أول المحاضرة: إن العلماء اختلفوا في الشعر: فمنهم من مدحه مطلقاً، ومنهم من ذمه مطلقاً، لكن الصواب ما سيأتي.