للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[باب إحرام النفساء واستحباب اغتسالها للإحرام، وكذا الحائض]

الباب الأخير: باب إحرام النفساء، واستحباب اغتسالها للإحرام، وكذا الحائض.

وذلك لأن النفساء والحائض كلتاهما حكمهما واحد.

والنفاس يطلق في اللغة: على الحيض.

وعائشة رضي الله عنها نفست في حجة الوداع، والنبي عليه الصلاة والسلام قال لها: (أنفست؟ قالت: نعم)، وكان ذلك في مدخلها مكة، وطهرت منه في ليلة عرفة، كما سيأتي معنا في الروايات، والنبي عليه الصلاة والسلام انطلق محرماً مع هلال ذي الحجة، أي: أن الأمر لم يستغرق إلا بضعة أيام، فهذا حيض، كما أنه من المعلوم أن عائشة لم تلد، ومع هذا قال لها: (أنفست؟) فالنفاس في اللغة: الحيض.

فالحيض: هي العادة الشهرية التي تنزل على المرأة المؤهلة له، والنفاس: ما تصاب به المرأة بعد ولادتها، كما في حديث أم سلمة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت للنفساء أربعين يوماً).

وهذا يدل على أن أقصى مدة النفاس أربعون يوماً، وهذا في الغالب، وإلا فأنت تجد في كتب المذاهب كما عند الأحناف والشافعية أن أقصى مدة النفاس ستون يوماً، وهذا شاذ، فغالب النساء ينقطع دم النفاس عنهن بعد أربعين يوماً، ولا يلزم استمرار نزول الدم أربعين يوماً، بل قد ينزل عشراً، ثم ينقطع عشراً، ثم يأتي عشراً وهكذا، أو خمساً وخمساً، أو سبعاً وسبعاً، فلا يجب استمرار نزول الدم طوال الأربعين يوماً، ولكن المعنى: أن النبي صلى الله عليه وسلم حدد أن أقصى مدة النفاس تكون أربعين يوماً.

ولذلك العلماء يقولون: أقصى مدة النفاس على حديث أم سلمة أربعون يوماً في غالب عادة النساء، ولا حد لأقله، كما لا حد لأقل الحيض، والراجح أن أقل حد النفاس والحيض دفقة دم تخرج من رحم المرأة؛ لأنه لا معنى لقولهم: لا حد لأقله؛ لأنه إذا كان أقصى النفاس أربعين يوماً فلابد أن يكون له حد أقل، فقولهم: لا حد لأقله أمر غير مفهوم، والمفهوم أن أقل الحيض والنفاس دفقة دم تخرج من رحم المرأة، وهذا مذهب كثير من أهل العلم كذلك.

قال: (باب إحرام النفساء واستحباب اغتسالها للإحرام وكذا الحائض).

يعني: الحائض والنفساء يستحب لهما أن تغتسلا للإحرام مع وجود النفاس ومع وجود الحيض.

والإحرام يكون من الميقات، وأنتم تعلمون أن الغسل في حق الرجال كذلك مستحب وليس واجباً، كما أن الصلاة التي يحرم بعدها المحرم ليست واجبة، وإنما هي مستحبة كذلك.

قال: [قالت عائشة: (نفست أسماء بنت عميس)] وأسماء بنت عميس هي زوجة أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

قالت: [(نفست أسماء بنت عميس بـ محمد بن أبي بكر -يعني: ولدت محمد بن أبي بكر - بالشجرة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر يأمرها أن تغتسل وتهل)] يعني: تقول: لبيك اللهم عمرة أو حجاً.

قال: [وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: (في حديث أسماء بنت عميس حين نفست بذي الحليفة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر رضي الله عنه فأمرها أن تغتسل وتهل)].

وذو الحليفة ميقات أهل المدينة، وأنتم تعلمون أن هذا المكان فيه نزاع بين ثلاث مسائل: الشجرة، والمسجد، والبيداء، فمن الناس من كان يهل من البيداء، ومن الناس من كان يهل من المسجد بعد الصلاة مباشرة وقبل أن يقوم من مقامه، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام ما أهل إلا من عند الشجرة حين ركب دابته فقامت وانبعثت، فبعد أن انبعثت أهل بالنسك.

وفي هذا الحديث صحة إحرام النفساء والحائض واستحباب اغتسالهما للإحرام، وهو مجمع على الأمر به، لكن مذهب الشافعية ومالك وأبي حنيفة والجمهور: أنه يستحب.

وقال الحسن وعند أهل الظاهر هو واجب.

يعني: غسل الحائض والنفساء واجب، والحائض والنفساء يصح منهما جميع أفعال الحج إلا الطواف وركعتيه؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (واصنعي ما يصنع الحاج غير ألا تطوفي بالبيت).

فالطواف لا يجوز للحائض ولا النفساء، ولا حتى فاقد الوضوء؛ لأن الطهارة شرط في الطواف؛ ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (الطواف بالبيت صلاة غير أن الله أحل فيه الكلام).

والركعتان اللتان خلف مقام إبراهيم تابعتان للطواف، فإذا كان الحائض والنفساء وغير المتوضئ من الرجال والنساء لا يجوز له الطواف على هذا النحو، فهل يجوز له الصلاة ركعتين؟ من باب أولى لا يجوز؛ لأنه لا طواف إلا بطهور، والسعي لا يشترط له الطهارة لكن يستحب.

وفي هذا الحديث: أن ركعتي الإحرام سنة وليستا بشرط لصحة الحج؛ لأن أسماء لم تصلهما، هذا والله تعالى يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال والأقوال.