[باب نزل أهل الجنة]
قال: [باب نزل أهل الجنة].
والنزل: هو المكان المعد للضيف، أو للعسكر أو غيرهما ممن يستحق الضيافة والتكريم.
قال: [حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث قال: حدثني أبي عن جدي حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يكفؤها الجبار بيده)].
ومعنى (يكفؤها): يحركها ويميلها، ولله المثل الأعلى، فإنه يجعل الأرض يوم القيامة كخبزة واحدة فيها الخلق، يكفؤها ويميلها بيده.
قال: (كما يكفأ أحدكم خبزته في السفر).
والكاف هنا للتشبيه؛ لأن خبز السفر غير خبز الحضر، وهذا الكلام قاله النبي عليه الصلاة والسلام على اعتبار أن ذلك معلوم لدى العرب المخاطبين: أن أحدهم لما يخبز خبزاً في الحضر فإنه يعتنى به، ويرققه ويساويه، بينما خبز السفر يكون ثخيناً؛ من أجل يبقى مدة طويلة من الزمان.
فيحفرون حفرة في الأرض، فتضرم فيها النيران حتى تنطفئ، ثم يوضع العجين على النار، فتسويه حرارة النار، أو يسوى الخبز بالحر الشديد، فهذا الذي يسميه العرب: خبز السفر، بينما يكون خبز الحضر خبزاً أبيض.
قال عليه الصلاة والسلام: [(تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يكفؤها الجبار بيده كما يكفأ أحدكم خبزته في السفر؛ نزلاً لأهل الجنة، فأتى رجل من اليهود فقال: بارك الرحمن عليك يا أبا القاسم!)].
واليهود كانوا يسمون الله تعالى بالله والرحمن، ولذلك جاء عن عمر رضي الله عنه لما سألوه عن النبي عليه الصلاة والسلام، وكانوا يطمعون في ردته، وفي إزاحته عن الإسلام، قال: أي يمين فيكم تعظمون؟ قالوا: الرحمن.
قال: والرحمن أقسم بما يعتقد اليهود، وهو كذلك في معتقد عمر بن الخطاب، ثم دخلت القضية التي هي محل النزاع.
ولذلك قال الله تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء:١١٠] فأثبت الله تعالى أن الله والرحمن من أسمائه الحسنى.
قال: [(فأتى رجل من اليهود فقال: بارك الرحمن عليك يا أبا القاسم)] أي: لما سمع أن الأرض تكون يوم القيامة كخبزة أحدكم في سفره، فقال: [(بارك الرحمن عليك يا أبا القاسم ألا أخبرك بنزل أهل الجنة يوم القيامة؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: بلى.
قال: تكون الأرض خبزة واحدة، فنظر إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ضحك حتى بدت نواجذه)] يعني: يريد أن يقول لهم: لقد سمعت من الحبر مثل الكلام الموحى إلي، وفي هذا قبول الحق من كل من أتى به حتى وإن كان يهودياً.
قال: [(ألا أخبرك بإدامهم؟)] الإدام يعني: الطبيخ، [(قال: بلى، قال: إدامهم بالام ونون)]، وبالام كلمة فارسية معربة، والنون هو الحوت، [(قالوا: وما هذا؟ فقال: ثور ونون)] إذاً: الثور هو البالام، لكن على عادة اليهود أنهم يعمون المصطلحات والمسائل.
قال: [(يأكل من زائدة كبدهما سبعون ألفاً)].
بعض أهل العلم ترجح لديه أن زيادة كبد الحوت، أو زيادة كبد البالام الذي هو الثور هي القطعة الزائدة الممتدة إلى الكبد، فهذه القطعة الزائدة يأكل منها سبعون ألفاً، ولذلك فإن عبد الله بن سلام سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن طعام أهل الجنة، وقد كان من أحبار اليهود يغترس أرضاً يزرعها وينميها ويصلحها، فلما سمع بمقدمه أتاه وقال: (يا محمد إني سائلك عن ثلاث مسائل فإن أجبت فأنت نبي، فإنه لا يعرفها إلا نبي، أو رجل أو رجلان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سل ما شئت يا ابن سلام، فقال له: ما أول علامات الساعة؟ وكيف ينزع الولد؟ وما طعام أهل الجنة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أول علامات الساعة نار تحشر الناس من المغرب إلى المشرق).
وفي رواية: (من المشرق إلى المغرب، وإذا غلب ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد إليه، وإذا غلب ماء المرأة ماء الرجل نزع الولد إليها -أي: في الشبه- وأما طعام أهل الجنة فزيادة كبد الحوت.
قال: صدقت فآمن)، فآمن عبد الله بن سلام، وكان من بين عشرة من أحبار اليهود وعظمائهم في زمن النبوة.
ولذلك سيأتي معنا أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لو آمن بي عشرة من اليهود لآمن بي اليهود).
والنبي عليه الصلاة والسلام إنما أراد: لو آمن بي هؤلاء العشرة الزعماء القادة الأحبار الذين هم فلان وفلان وفلان في زمن النبي عليه الصلاة والسلام من بني النضير وبني قينقاع وغيرهم من أحبار اليهود؛ لآمن اليهود في زمن النبوة جميعاً، حيث إنه لم يؤمن منهم إلا عبد الله بن سلام فقط لما أجابه النبي عليه الصلاة والسلام عن أسئلته، وقال: (يا رسول ا