للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صغائر الذنوب تكفرها الطاعات ما لم تغش الكبائر]

قال: [حدثنا محمد بن عبد الأعلى، حدثنا المعتمر -وهو ابن سليمان بن طرخان التيمي - عن أبيه، حدثنا أبو عثمان، عن ابن مسعود (أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر أنه أصاب من امرأة، إما قبلة، أو مساً بيد، أو شيئاً، كأنه يسأل عن كفارتها، قال: فأنزل الله عز وجل هذه الآية) ثم ذكر بمثل حديث يزيد.

وقال: حدثنا يحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة -واللفظ لـ يحيى - قال يحيى: أخبرنا، وقال الآخران: حدثنا أبو الأحوص -وهو سلام بن سليم - عن سماك بن حرب، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة والأسود، عن عبد الله بن مسعود قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني عالجت امرأة في أقصى المدينة)].

أي: استمتعت بها استمتاعاً دون الفاحشة، كأن يقبلها أو يحضنها أو يغمز لها أو غير ذلك.

وقوله: (في أقصى المدينة) أي: بعيداً عن أنظار وأعين الناس.

قال: (وإني أصبت منها ما دون أن أمسها) والمس بمعنى: الجماع، أي: أنه فعل معها كل شيء إلا الجماع.

قال: فأنا هذا فاقض فيّ ما شئت، يعني: ها أنا قد أتيتك، وأنا بين يديك فاحكم في بما شئت.

لكن نجد كل وسائل الفساد قد سعت لإفساد المرأة، فأدخلوا لها تلفزيوناً (٢٤ بوصة) ملوناً، وأخذت تنظر فيه، فترى الرجل يقبل المرأة، وهي تكاد أن تموت من فرط غيرتها وحيائها، ثم بعد ذلك تألف المسألة، بل لو تعطل التلفزيون تكون مصيبة كبيرة في البيت، ولا بد أن تصلحه في نفس اليوم؛ لأنها تتابع الأفلام والمسلسلات، ومعنى أنها لا تدرك حلقة من المسلسل ذهاب نصف عمرها! وهكذا فشيء مع الوقت تغيرت الأخلاق، وتغيرت القلوب، وكل شيء تغير في الأمة، فلا بد من الرجوع بالأمة إلى عهدها الأول، ولن تصلح الأمة إلا بالرجوع إلى عهدها الأول، العهد الذي يقاس عليه الخير كله.

قال: [(فقال له عمر: لقد سترك الله لو سترت نفسك، قال: فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً -وفي هذا جواز اجتهاد المفضول في وجود الفاضل- فقام الرجل فانطلق، فأتبعه النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً دعاه، وتلا عليه هذه الآية: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:١١٤]، فقال رجل من القوم: يا نبي الله! هذا له خاصة؟ قال: بل للناس كافة)] أي: بل لكل من وقع في سيئة من هذه الأمة؛ لأن هذا الذنب الذي ذكره الرجل من الصغائر التي تستوجب التعزير لا الحد، والذي يستوجب الحد إنما هو ارتكاب الفواحش، مع أن الرجل سماه حداً فقال (يا رسول الله! أصبت ذنباً فأقم علي الحد)؛ لأن لفظ الحد يطلق مجازاً، ولا يراد به حقيقة الذنب الذي يستوجب حداً قد حده الله عز وجل، كما أن إجماع الأمة منعقد على أن ما دون الجماع صغيرة، وأنا أقول هذا الكلام وأنا في منتهى المرارة؛ لأني لا أضمن جميع القلوب والأذهان المستمعة، وأرجو ألا تهون عليك هذه المعاصي؛ لأن الله تعالى قد يقبضك -ولا يبالي- وأنت عليها، وتبعث عليها، ثم كيف يكون موقفك يوم القيامة؟ لكنني أقرر أمراً، وهو أن ما دون الجماع، أو ما دون الزنا الحقيقي في الفرج هو من الصغائر، تكفرها الطاعات، وأقول هذا لأربط لك بين قول هذا الرجل: (أصبت ذنباً يا رسول الله! فها أنا ذا يا رسول الله! افعل في ما شئت)، وبين ما قاله وأرشد إليه النبي عليه الصلاة والسلام: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} [هود:١١٤]، ولو كان هذا حداً كبيراً يستوجب إقامة حد معلوم لحده النبي عليه الصلاة والسلام، فلما ترك الحد ودله على المكفرات، وهي الصلاة، دل على أن ما فعله الرجل ليس بكبيرة، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (الوضوء إلى الوضوء كفارة لما بينهما، والصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما، ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما، والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما، ما لم تغش الكبائر).

فقوله: (الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينها ما لم تغش الكبائر)، يدل على أن الذي فعله الرجل ليس من الكبائر؛ لأنه ليس بالزنا الذي هو الإيلاج، أي: إدخال الذكر في الفرج، كما يدخل الرشاء في البئر، وكما قال عليه الصلاة والسلام في حديث ماعز: (يا رسول الله! إني زنيت، قال: أتدري ما الزنا؟ قال: نعم يا رسول الله! قال: أدخل هذا منك في ذاك منها كما يدخل الرشاء في البئر- يعني: هل دخل ذكرك في فرجها على هذا النحو؟ قال: نعم يا رسو