للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شروط القتل الذي به يحصل منع الإرث]

لكن ليس كل قتل يمنع به الوارث من الميراث، بل لابد من شروط تتوفر في القتل: الشرط الأول: أن يكون القتل عمداً، يعني: أن تتوجه إرادة القاتل وقصده إلى إزهاق روح المقتول، وعليه القتل الذي يؤثر في الميراث هو القتل العمد، أما الخطأ فلا يؤثر على انتقال الميراث إلى صاحبه.

فمثلاً: شخص صوب سلاحه نحو عصفور أو حمامة واقفة بجوار صاحب ما، فلم تتوجه إرادته قط لقتل هذا الرجل، لكنه في العادة -كما يفعل غيره من الصيادين- إنما أراد قتل هذا العصفور أو الحمامة أو هذا الطير، فخطأ انحرفت يده، أو أسرع هذا الرجل من مكانه جهة السهم أو جهة الرصاصة فمات، فهذا قتل خطأ.

كذلك: رجل أصيب بما يسميه العامة بغصة في أثناء الطعام، فقال لولده: اضرب على ظهري، فضربه على ظهره فمات، فهذا أيضاً قتل خطأ لا يمنع من الميراث.

إذاً: مدار البحث عندنا في القتل العمد.

أيضاً: رجل كبير في السن أو امرأة كبيرة في السن معها ابنتها أو معها ابنها أو ابن ابنها أو غير ذلك من أصحاب الفرائض -وسنذكرهم وأوقات ورثهم- فهذا الشاب أو تلك الفتاة تعجلت قتل أمها، أو تعجل الولد قتل أبيه ليرث، فإما أن يكون إثبات هذا القتل بأنه عمد بإقرار القاتل، أو بشهادة الشهود إذا كان الشهود قد رأوه وهو يقتل ولم يرهم، أو غير ذلك من أدلة الإثبات، فحينئذ يمنع هذا من الميراث، ويجب عليه القصاص، ويستوي في العمد أن يكون القاتل هو الفاعل الأصلي، أي: الذي باشر فعل القتل والضرب حتى الموت وإزهاق الروح، فيستوي في ذلك أن يكون الفاعل أصلياً، أو يكون شريكاً فيه، مثل ما أنك تريد أن يموت أبوك، فتقول لأحد أصحابك: ما رأيك أن نأتي به على شرفة، ثم ننظر الوقت المناسب لقتله، فيجتمع على موت هذا الرجل اثنان أو ثلاثة أو أربعة أو عشرة أو مائة أو بلد أو قرية بأسرها، فهؤلاء جميعاً شركاء في الجريمة، ويجب أن يقادوا به، والولد معهم؛ لأنه يستوي أن يكون فاعلاً أصلياً لذاته، أو أن يكون شريكاً مع غيره، أو حتى أن يكون شاهد زور ترتب على هذه الشهادة حكم القاضي بالإعدام على هذا الرجل، وتم تنفيذ الحكم.

الشرط الثاني: أن يكون القاتل في حال القتل مكلفاً، أي: أن يكون عاقلاً بالغاً، وقد اختلف أهل العلم في العقل وخاصة في البلوغ، فمنهم من اعتبر السن في البلوغ، ومنهم من اعتبر العلامات والأمارات في البلوغ.

فمثلاً قالوا: حد البلوغ عند الولد على خلاف بينهم وكذلك البنت من اثنتي عشرة سنة إلى ست عشرة سنة، على اختلاف بين أهل العلم، هذا إذا نظرنا إلى البلوغ من جهة السن.

أما من جهة الأمارات والعلامات فقالوا: البلوغ عند البنت إنما يكون بإنبات الشعر عندها تحت الإبط وفي العانة، وكذلك الحيض، وأما البلوغ عند الولد فبنزول المني، وبظهور شعر عانته، وبظهور شعر إبطه، واختلفوا في بقية العلامات.

وعلى أية حال الشرطان اللذان تم الاتفاق عليهما، وما قبل هذين الشرطين يعد حدثاً من الأحداث لا يؤاخذ بالجناية، وإنما يؤاخذ بأقل من ذلك.

واختار قانون الأحوال الشخصية فيما يتعلق بالأسباب المانعة من الميراث في القتل: أن يكون القاتل قد بلغ من العمر خمسة عشر عاماً، يعني: قبل هذا السن لا يعد جناية؛ لأنه حدث، وما بعد هذه السن ولو بلحظة يعد جناية؛ لأنه بالغ ومكلف وعاقل، فما الذي يجعله يقدم على هذا الفعل؟ وأما الحيل المؤدية إلى الحرام فهي حرام في الشرع، مثل أن يعمد وارث إلى قتل مورثه لا عن طريقه هو، لكن عن طريق تسليط الحدث على قتل المورث، كأن يقول شخص لابنه: اذهب فاقتل جدك، والولد عمره مثلاً عشر سنوات، فإن قتله فإن أباه يمنع من الإرث.

وأما الابن فإنه محجوب بالأب إذا كان حياً.

أما لو كان الأب ميتاً فإن الولد يحجب لو كان له أعمام.

لكن لو أن الجد حي والأب مات وعنده أولاد، فإن الأولاد تحجب من ميراث الجد من أجل أعمامهم، أي: لوجود أولاد آخرين للجد.

كأن يموت رجل، وترك أبناءً ذكوراً وإناثاً، وترك أبناء ابن ذكوراً وإناثاً، ففي هذه الحالة هؤلاء الأبناء الذين مات أبوهم في حياة جدهم يرثون من الجد تحت باب الوصية الواجبة، والوصية الواجبة تختلف عن مطلق الوصية.

إذاً: أبناء الابن الذين مات والدهم يرثون من الجد تحت ما يسمى بالوصية الواجبة، وبالتالي لا يحجبون بالأعمام، وهل هناك أحد يقضي بهذا في هذه القضية؟ فإن قتل الولد أباه، وهذا الولد عمره أربعون سنة؛ لكنه مجنون، فإنه يرث؛ لأن الجنون علة مانعة من لحوق الإثم والقصاص؛ فكان قتله كأن لم يكن.

ولا بد يا إخواني أن نتعلم الفرائض؛ لأن هذه وصية النبي صلى الله عليه وسلم، بل هي أمره؛ ولذلك ذهب بعض أهل العلم إلى وجوب تعلم الفرائض؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (تعلموا الفرائض وعلموها الناس)، وفي رواية ابن مسعود قال: (تعلموا الفرائض، والطلاق، والحج؛ فإنه دينكم)، والحديث عند الدارمي.

والميراث في اصطلاح الفقهاء: هو استحقاق ما خلفه الميت من مال أو حق لسبب من أسباب الميراث الشرعية.

والحق إما أن يكون ديناً