للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر إجماع الأمة على قطع يد السارق في الجملة واختلافهم في فروعه]

قال: (أجمع المسلمون على قطع السارق في الجملة).

أي: أجمع المسلمون على وجوب قطع يد السارق في الجملة.

قال: (لكنهم اختلفوا في فروع هذا الحد).

يعني: أجمعوا واتفقوا على أن يد السارق تقطع، وهذا هو الأصل، لكنهم اختلفوا في شروط السرقة أو في شروط المسروق أو في شروط الحرز؛ وذلك لأنه من أساسيات الحدود أن يقيمها الوالي ولا يقيمها عامة الأفراد، بخلاف التعزير فلعامة الأفراد أن يعزروا، فللسيد أن يعزر عبده، وللزوج أن يعزر امرأته، وللوالد أن يعزر ولده، وكل شخص يعزر من تحته حسب ما يتراءى له ما لم يبلغ أكثر التعزير أقل الحد، كما قال عليه الصلاة والسلام: (لا حد في أقل من عشرة أسواط) يعني: فالإنسان لما يعزر لا يضرب أكثر من عشر جلدات؛ لأن التعزير قد يكون بالكلمة أو بالوعظ أو بالتوبيخ أو بالهجر أو بالتقريع أو غير ذلك، فالفارق الجوهري بين الحد والتعزير: أن الحد يقيمه الحاكم، والتعزير للحاكم ولغيره من الناس؛ لأن الحد الشرعي له ضوابط وأصول وظروف، وأقل شبهة يدرأ بها الحد.

مثال ذلك: شخص يعمل في محل، فأكل صاحب المحل عليه راتبه الشهري ومقداره (٥٠٠) جنيه، ومن عادة صاحب المحل أن يأخذ المال ويضعه في خزينة، وهذه الخزينة مغلقة بمفتاح، فإنه يكفي أن تسمى هذه الخزينة حرزاً، لكن هذا العامل كسر القفل وفتح الخزينة وأخذ منها (٥٠٠) جنيه، فهو في هذه الحالة سارق؛ لأنه أخذ مالاً محرزاً بغير إذن.

فنقول: هذا فيه شبهة تمنع إقامة الحد عليه، وهي أنه لم يسرق إلا ماله الذي أكله عليه صاحب المحل، فهذه الشبهة يدرأ بها الحد، ولو أن إقامة الحد موكولة إلى الناس لأقام عليه الحد صاحب المحل.

فلو أن كل إنسان يسمح لنفسه بإقامة الحد على من ظن أنه ارتكب جرماً يستوجب إقامة الحد، فلن يكون هذا المجتمع محترماً؛ ولذلك الحدود لا يقيمها إلا الحاكم.

ولو أن ولداً زنى وبلغ الخبر إلى أبيه وقال له: يا ولدي! أنت زنيت؟ فقال له: لا أجمع على نفسي معصيتين الكذب والزنا، نعم، أنا زنيت.

فهل يجوز للوالد أن يقول: نحن في زمن ترك الحدود وأنا أتقرب إلى الله بإقامة الحد عليك يا بني، ويتمثل قول إبراهيم عليه السلام لما أراد أن يقتل ولده بأمر الله عز وجل؟! هذا لا يمكن أن يكون ديناً أبداً، حتى الوالد لا يقيم على ولده الحد، ولا الزوج يقيم على زوجه الحد، إنما يقيم الحد الحاكم أو من ينوب عنه، فإقامة الحدود لها شروط، وهناك زوايا متعددة في هذه الجريمة، كما أن المسروق فيه شروط ومحل السرقة -وهو الحرز- له شروط.