[وجه تبويب الإمام البخاري بقوله تعالى: (والله خلقكم وما تعملون) لحديث: (ما أنا حملتكم ولكن الله حملكم)]
ثم قال رحمه الله: (قوله عليه الصلاة والسلام: (ما أنا حملتكم، ولكن الله حملكم)، ترجم البخاري لهذا الحديث قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات:٩٦]).
لقد كان الإمام البخاري أمة، وهذا دليل ساطع وبرهان بين على أن هذا الرجل كان مفتوحاً عليه من الله تعالى، فالإمام البخاري لما ذكر هذا الحديث بوب له بباب: ((وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ))، والمعلوم يقيناً عند أهل السنة والجماعة أن الله تعالى لا خالق غيره، ولا رب سواه، والله تعالى خلقنا وأعمالنا.
وهذه القضية كانت مثار جدال عظيم جداً فيما يتعلق بالفتنة التي مر بها الإمام أحمد مع الدولة العباسية، فيما يتعلق بكلام الله عز وجل، هل كلام الله تعالى مخلوق أم غير مخلوق؟ قالت المعتزلة: كلام الله تعالى مخلوق، وقال أهل السنة والجماعة: كلام الله تعالى صفة من صفاته، لازمة لذاته، يتكلم بما شاء، وكيف شاء، وفي أي وقت شاء، وكلام الله تعالى لما كان صفة من صفاته، فصفاته غير مخلوقة.
إذاً: فيكون كلامه غير مخلوق.
لكن العلماء بعد ذلك وقعوا في مسألة أخرى، وهي: هل اللفظ بالقرآن مخلوق أم غير مخلوق؟ لما عجزوا أن يجادلوا علماء أهل السنة فيما يتعلق بخلق القرآن، أثاروا الذعر في الأمة مسألة فرعية أخرى وهي: هل اللفظ بالقرآن مخلوق أم غير مخلوق؟ اللفظ مخلوق؛ لأن اللفظ هذا هو نطقك أنت، إذا تلوت آية من كتاب الله فإنما تخرج منك بحرف وصوت ولهاة وأضراس وأسنان ولسان يتكلم، فهذه الحركات التي تخرج مني الآن وتسمعون بها صوتي مخلوقة.
إذاً: هذه الحركات التي أفعلها الآن مخلوقة، تكلمت بالقرآن أو بغير القرآن، يعني: الآن لا أتكلم عن القرآن إنما أنا أتكلم عن طريقتي أنا كمخلوق في النطق، سواء نطقت بالقرآن أو بغير القرآن، فكل ما نعمل من خير وشر هو مخلوق لله عز وجل.
فالإمام البخاري بوب لهذا الحديث: (ما أنا حملتكم، ولكن الله حملكم)، قال: باب: ((وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ))، يعني: أن النبي عليه الصلاة والسلام لما أتته الإبل غنيمة دفعها إلى الأشعريين، فكون النبي عليه الصلاة والسلام تسلم الغنيمة، ثم دفع منها ستة أو خمسة أو ثلاثة أبعرة للأشعريين، فهذا العمل أو هذه الحركة التي فعلها النبي عليه الصلاة والسلام مخلوقة، ومع ذلك النبي عليه الصلاة والسلام لم يملك ذلك؛ لأنها من أموال الغنائم، فالنبي عليه الصلاة والسلام لم يحمل الأشعريين على الحقيقة، وما هو إلا عبارة عن أداة أخذت ثم أعطت، لكن المال في الحقيقة هو مال الله عز وجل.
إذاً: أراد الإمام البخاري بهذا الباب أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى، وهذا مذهب أهل السنة، خلافاً للمعتزلة كما قلنا.
قال النووي: (وقال الماوردي: معناه: أن الله تعالى آتاني ما حملتكم عليه، ولولا ذلك لم يكن عندي ما أحملكم عليه.
قال عياض: ويجوز أن يكون أوحى الله تعالى إليه أن يحملهم، أو يكون المراد دخولهم في عموم من أمر الله تعالى بالقسم فيهم).