[الصدق]
الشرط الخامس من شروط لا إله إلا الله: الصدق في هذه الكلمة؛ فتكون صادقاً مع الله عز وجل ومع نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ومع نفسك في إيمانك كذلك، فيكون نطقك لهذه الكلمة بكل صدق وإخلاص.
فمن شروط هذه الكلمة: الصدق المنافي للكذب، أي: الصدق الذي ليس معه أدنى كذب، وهو أن يقولها صدقاً من قبله، ويوافق قلبه لسانه، يعني: يتفق ما يخرج من لسانه مع ما يعتقده ويستقر في قلبه، قال الله عز وجل: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت:١ - ٢]، فلابد من الفتنة حتى يعلم الله عز وجل الصادق من الكاذب، وحتى يميز الخبيث من الطيب، {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:٣]، إلى آخر الآيات.
وقال تعالى في شأن المنافقين الذين قالوها كذباً وزوراً وبهتاناً: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة:٨].
و (ما) هنا نافية، فقولهم لا يوافق ما في قلوبهم من كفر ونفاق وضلال، وإنما: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة:٩]، والله عز وجل لا يخدعه خادع ولا يمكر به ماكر، {وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة:٩ - ١٠]، يعني: ليسوا صادقين في ادعائهم الإيمان وإنما هم كاذبون، ففضحهم الله عز وجل في مثل هذا الموطن وفي غيره كذلك.
وقد ذكر الله تعالى شأنهم، وكشف أستارهم وهتكها وأبدى فضائحهم في غير ما موضع من كتابه، كسورة البقرة وآل عمران والنساء والأنفال والتوبة، وخصص لهم سورة كاملة في كتابه، وهي سورة المنافقون.
وفي الصحيحين عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من أحد يشهد أن لا إله إلا وأن محمداً عبده ورسوله صدقاً من قلبه).
فلابد من موافقة ومواطأة ما يخرج من اللسان مع ما هو مستقر في القلب، فلا بد أن يكون صادقاً من قلبه من يقول: لا إله إلا الله، فإن قالها كذباً فإنما هو من الكافرين أو المنافقين، والحال لا يختلف كثيراً بينهما.
قال: (ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله صدقاً من قلبه إلا حرمه الله تعالى على النار).
فاشترط في إنجاء من قال هذه الكلمة من النار أن يقولها صدقاً من قلبه، فلا ينفعه مجرد التلفظ بها بدون مواطأة القلب لذلك.
وفيهما -أي: البخاري ومسلم - من حديث أنس بن مالك وطلحة بن عبيد الله الأنصاري رضي الله عنهما: (في قصة الأعرابي -وهو ضمام بن ثعلبة وافد بني سعد- لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن شرائع الإسلام، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، قال: هل علي غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع، قال: والله لا أزيد عليها ولا أنقص منها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلح إن صدق)، وفي رواية: (أفلح وأبيه إن صدق)، وفي بعض الروايات: (إن صدق ليدخلن الجنة)، أي: إن صدق في هذه الكلمة وطابق لسانه قلبه فالله عز وجل يدخله الجنة، والنبي عليه الصلاة والسلام أكد ذلك بمؤكدين هنا: بلام التوكيد ونون التوكيد، فقال: (إن صدق ليدخلن الجنة)، ولم يقل: إن صدق دخل الجنة، ولكنه قال: ليدخلن، فاللام والنون المشددة لبيان التأكيد والوعد الحتمي، فاشترط في فلاحه ودخوله الجنة أن يكون صادقاً.