كما أن الله تعالى يحب المدح، ولذلك مدح الله تعالى نفسه، لكن لو أن شخصاً منا مدح نفسه فإنه يكون عيباً عليه، إذ هو يزكي نفسه، والله تعالى يقول:{فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}[النجم:٣٢]، وحينئذ فلا يجوز له ذلك، فهو أمر مذموم شرعاً وعرفاً، وكذلك لو زكى أحدنا غيره، بمعنى: مدحه وأطراه وأثنى عليه ثناءً يخشى معه الفتنة فغير مشروع، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام في حديث عبد الله بن عمر:(إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب)، وكان ابن عمر يفعل ذلك على الحقيقة، فإذا مدحه إنسان تناول حفنة من تراب فحصبه في وجهه.
أما الله عز وجل فإنه يحب المدح، أي: يحب المدح والتزكية والثناء لعباده بشروطه، وقد مدح الله عز وجل عباداً صالحين على العموم، ومدح بعض عباده على الخصوص، كالأنبياء والمرسلين؛ لأنه لا يخشى عليهم الفتنة، لكن لو قلت لشخص ما: أنت ما شاء الله عليك، أنت ممتاز، أنت رجل فاضل، وهو أصلاً لا يستحق ذلك، فيصدق هذا الكلام، ويصدق هذا المدح، فيتعامل مع نفسه ومع الناس بعد ذلك على أنه رجل طيب، ورجل فاضل، وهو في الحقيقة لا يستاهل أن يكون نصف رجل، فأنت قد أثنيت عليه ظلماً وعدواناً لتحصل منه على منفعة غلب على ظنك أنك لا تحصل على هذه المصلحة أو هذه المنفعة إلا بالثناء والإطراء له، والطامة أنه صدق ذلك، وبالتالي بدأ يتصرف على أنه بالفعل إنسان ممدوح، وإنسان مرغوب فيه وفي أخلاقه وغير ذلك، أما الله عز وجل فإنه على خلاف ذلك؛ لأنه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى:١١].
قال: [(وليس أحد أغير من الله، من أجل ذلك حرم الفواحش)]؛ لأن الله تعالى يغار -والله المثل الأعلى- فالواحد منا يغار على امرأته، فيغلق عليها الباب، ويغلق عليها الشبابيك، ولا يحب أن يراها رجل، ولا يحب أن تنظر هي إلى رجل آخر، فيمنعها من كل شيء يؤثر على هذه الغيرة، أو يعكر عليه هذه الغيرة، ولو أنه رأى بصر امرأته وقع على رجل، أو وقع بصر رجل عليها، لغضب غضباً شديداً، ولفعل الأفاعيل.
لذا أقول: إن الله تبارك وتعالى أشد غيرة من عباده، حتى وإن كانوا أنبياء أو ملائكة، وهي غيرة تليق بذاته وجلاله، ولذلك حرم المعاصي والفواحش، فوضع الحدود والموانع من ارتكاب هذه المعاصي والفواحش؛ لأن الله تعالى يغار أن تنتهك حرمة من حرماته، أو أن يقع عبد في معصية من معاصيه.