للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شروط صحة الاستثناء]

قال: (ويشترط لصحة هذا الاستثناء شرطان: أحدهما: أن يقوله متصلاً باليمين).

أن يقول: والله لأفعلن كذا إن شاء الله، والله لأتركن كذا إن شاء الله.

إذاً: فتعليق المشيئة يكون متصلاً باليمين.

ثم قال: (والثاني: أن يكون نوى قبل فراغ اليمين أن يقول: إن شاء الله تعالى) وهذا الشرط محل نزاع: قال البعض: متى تنعقد هذه النية، قبل أن يحلف، أم في مبتدأ اليمين، أم في أثناء اليمين، أم قبل أن يفرغ من اليمين؟ كل رأي من هذه الآراء قال به بعض أهل العلم.

الشرط الأول وهو أن يتصل الاستثناء باليمين، هو محل اتفاق.

أما الشرط الثاني، فمثاله: لو قلت لولدي: لو فعلت كذا لأضربنك، فأدركت نفسي وقلت: إن شاء الله، فمتى انعقدت النية؟ في آخر اليمين، صحيح أن الكلام متصل، لكن النية انعقدت في آخر اليمين.

بخلاف ما أن أسمع صوته في الشارع وأعرف أنه إنسان مشاغب ومشاكس، فأخرج له ناوياً تهديده وتعليق الضرب بالمشيئة، فأقول له: والله لأضربنك إن شاء الله، فالكلام كله متصل، وهذا ليس فيه نزاع.

ثم قال: (قال القاضي: أجمع المسلمون على أن قوله: (إن شاء الله) يمنع انعقاد اليمين بشرط كونه متصلاً).

يعني: الاستثناء يجعل اليمين غير منعقدة، بمعنى أنك لو خالفت ما نويت عليه لا تحنث ولا تلزمك الكفارة؛ لأن الاستثناء يبطل اليمين، فلو قلت له: والله لأضربنك إن شاء الله، فتركت ضربه فلا حرج عليك، ولا إثم ولا كفارة ولا حنث؛ لأنه ليس يميناً.

ثم قال: (ولو جاز منفصلاً كما روي عن بعض السلف؛ لم يحنث أحد قط في يمين، ولم يحتج إلى كفارة) يعني: خالف بعض أهل العلم وقالوا بجواز أن يكون الاستثناء منفصلاً، فيرد القاضي عياض عليهم ويقول لهم: إذا جاز الاستثناء منفصلاً لا يحنث أحد قط في يمين، كما لا يحتاج أحد قط إلى كفارة يمين، فإذا كنتم تتفقون معنا في أن اليمين منعقدة، وأن الحالف الحانث تلزمه الكفارة لأنه حنث في يمينه؛ فحينئذ يلزمكم أن تقولوا بإثبات الاتصال، وبعدم جواز الانفصال في الاستثناء.

فمثلاً: لو أن شخصاً يشرب ماء بارداً ومزاجه جيد للغاية، ويقول لزوجته: يا أم محمد! فتجيب عليه: نعم؟ فيقول لها: أنت طالق! فهو غير غضبان، ولا سكران، بل يأكل ويشرب وهو مستريح للغاية، ثم يذهب إلى شيخ ليفتيه فيقول له: ماذا فعلت؟ فيقول: أنا كنت أمزح معها! فيفتيه المفتي بأن طلاقه وقع، ويقول له: لو لم يقع الطلاق بهذا اللفظ على نحو ما ذكرت؛ فليس في الدنيا شيء اسمه طلاق.

كذلك الذي يقول بجواز الانفصال بين الاستثناء واليمين، لا بد أن يبطل مدلول الآيات في كتاب الله في كفارة الأيمان والحنث، ويلزمه كذلك رد هذه الأحاديث الصحيحة.

إذاً: لو أن رجلاً الآن حلف على شيء وغداً يستثني أو بعد غد يستثني أو بعد شهر، أو بعد عام يستثني، هل يصح منه هذا الاستثناء؟ لا يصح، وهذا مذهب جماهير العلماء.