قوله:(وكتبت تسألني: متى ينقضي يتم اليتيم؟ فلعمري إن الرجل لتنبت لحيته وإنه لضعيف الأخذ لنفسه ضعيف العطاء منها، فإذا أخذ لنفسه من صالح ما يأخذ الناس فقد ذهب عنه اليتم).
أي: فإذا بلغ رشداً علم به مصلحته في الأخذ والعطاء، في البيع والشراء، في التعاملات والتصرفات، فإن هذا دليل على بلوغه الرشد وذهاب اليتم، والسن مختلف فيه.
قال:(ومعنى هذا: متى ينقضي حكم اليتم ويستقل اليتيم بالتصرف في ماله؟) طبعاً في قانون الأحوال الشخصية المصري ينقضي يتم اليتيم بواحد وعشرين سنة، وهذا أوفق في صحة التصرفات، وأما نفس اليتم فينقضي بالبلوغ، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:(لا يتم بعد الحلم) أي: بعد بلوغ الصبي سن الحلم يذهب عنه اسم اليتم، ويبقى حكم اليتم حتى يبلغ الرشد.
إذاً: هناك فرق بين سن البلوغ وسن الرشد، فسن البلوغ أن تظهر عليه علامات البلوغ من نبات الشعر في الوجه أو في العانة أو في الإبط، أو ظهور الثدي عند البنت، أو ابتداء الشهوة لدى الولد أو البنت، كل هذه علامات تدل على البلوغ.
أما الرشد فيبقى عنه بضعة أعوام بعد سن البلوغ، فقد يبلغ في العاشرة أو في الحادية عشرة أو في الثانية عشرة، ولكنك لا تجيز تصرفه حتى يبلغ العشرين أو زيادة أو أقل.
قال:(وأما نفس اليتم فينقضي بالبلوغ، وقد ثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا يتم بعد الحلم).
وفي هذا دليل للشافعي ومالك وجماهير العلماء: أن حكم اليتم لا ينقطع بمجرد البلوغ ولا بعلو السن -هذا حكم اليتم، أما اسم اليتم فيزول عنه بمجرد البلوغ- بل لا بد أن يظهر منه الرشد في دينه وماله.
وقال أبو حنيفة: إذا بلغ خمساً وعشرين سنة زال عنه حكم الصبيان، وصار رشيداً يتصرف في ماله، ويجب تسليمه إليه وإن كان غير ضابط له، وأما الكبير إذا طرأ تبذيره -أي: بعد سن خمسة وعشرين، إذا كان إنساناً مسرفاً جداً ومبذّراً سفيهاً لا يضبط تصرفاته- فمذهب مالك وجماهير العلماء وجوب الحجر عليه لا لليتم وإنما للسفه؛ لأنه كبير.
وقال أبو حنيفة: لا يحجر.
وقال ابن القصار: الصحيح الأول وكأنه إجماع).
أي: الكبير الذي بلغ سن الرشد ولكنه سفيه في تصرفاته يحجر عليه لا من باب اليتم ولكن من باب السفه.