للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرح حديث أسامة بن زيد في صبره صلى الله عليه وسلم على أذى ابن سلول]

قال: [حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ومحمد بن رافع وعبد بن حميد -واللفظ لـ ابن رافع قال ابن رافع: حدثنا وقال الآخران: أخبرنا- عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة: أن أسامة بن زيد أخبره: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب حماراً)] وهذا يدل على تواضعه عليه الصلاة والسلام، بخلاف ركوب الفرس، فالذي يركب فرساً أو بغلاً ليس كالذي يركب حماراً.

قال: [(ركب حماراً عليه إكاف)] والإكاف: البردعة.

والدثار: هو الملاصق للبدن، سواء كان اللابس آدمياً أو حيواناً، فالذي يلاصق البدن من الثوب اسمه الدثار؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار: (أنتم مني معشر الأنصار كالدثار) أي: أنكم ألصق الناس بقلبي وأحب الناس إليّ.

وفي رواية قال: (الناس شعار والأنصار دثار)؛ لأن الشعار بعيدة عن البدن، والملاصق للبدن اسمه الدثار، وما فوق الدثار يسمى إكافاً بالنسبة للحمار، وبالنسبة للآدمي يسمى الشعار، فالإكاف للحمار يساوي الشعار للآدمي.

قال: [(تحته قطيفة فدكية -نسبة إلى قرية تسمى فدك بجوار المدينة- وأردف وراءه أسامة)] أي: أسامة بن زيد وهو مولاه، والنبي عليه الصلاة والسلام قد أردف كثيراً من أصحابه كباراً وصغاراً، أردف معاذاً، وأردف حذيفة، وأردف أسامة بن زيد، وأردف أباه زيداً، وأردف قثم بن العباس، وأردف الفضل، وأردف علياً، وأردف كثيراً من أصحابه عليه الصلاة والسلام.

ولا يقال للرجل: رديفاً.

فالرديف ليس له قيمة ولا معنى، لكن الرديف في لغة الشرع: هو من ركب خلف الصدر.

أي: حينما تجد واحداً يركب خلفي على الحمار فهذا رديفي، ولو أني أخذته أمامي فهذا لا يصبح رديفاً، كصدر المجالس، إذ لا يتصدر المجالس إلا أصحاب الوجاهات والشهرة، أما غيرهم فهم في غبراء الناس وفي وسط الناس، فكذلك الرديف هو الذي يركب في الخلف، والذي يركب الأمام هو الصدر.

قال: [(وأردف وراءه أسامة وهو يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج -أي: أن سعد بن عبادة هذا خزرجي- وذاك قبل وقعة بدر، حتى مر بمجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود فيهم عبد الله بن أُبي، وفي المجلس عبد الله بن رواحة، فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمّر عبد الله بن أبي أنفه بردائه، ثم قال: لا تغبروا علينا).

وعجاجة الدابة: التراب الذي يتناثر حين تضرب الدابة بحافرها الأرض، فـ عبد الله بن أُبي حينما دخل عليه النبي عليه الصلاة والسلام وأصابه شيء من غبار الدابة قام بوضع يده على أنفه وقال: لا تغبّروا علينا، ارجع من حيث أتيت.

قال: [(فسلّم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم)].

وفي هذا جواز السلام على مجلس فيه أخلاط، وتكون نية المسلّم إلقاء السلام على المسلم.

أو يقول: السلام على من اتبع الهدى.

قال: [(ثم وقف فنزل فدعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن)].

هذه طريقة الدعوة إلى الله السلام أولاً، ثم دعوتهم إلى الإسلام، وقراءة شيء من الوحي عليهم.

قال: [(فقال عبد الله بن أبي: أيها المرء! لا أحسن من هذا)] كأنه أراد أن يقول: الأحسن من هذا أن ترجع من حيث أتيت، وربما يكون التقدير: لأحسن من هذا، أي: لو قلت كلاماً غير ذلك لكان أحسن، فيكون المعنى: إما أن ترجع وهذا أحسن، وإما أن تحوّل الموضوع وتتكلّم في شيء آخر.

ثم قال: [(إن كان حقاً ما تقول فلا تؤذنا في مجالسنا، وارجع إلى رحلك، فمن جاءك منا فاقصص عليه)] إذا كنت تعتقد أنك صاحب حق، فاقعد مكانك والذي يأتيك من جهتنا ادعه كيفما تريد.

قال: [(فقال عبد الله بن رواحة: اغشنا في مجالسنا فإنا نُحب ذلك.

قال: فاستب المسلمون والمشركون واليهود، حتى هموا أن يتواثبوا، فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يخفّضهم -أي: يهدئهم ويسكتهم- ثم ركب دابته حتى دخل على سعد بن عبادة فقال: أي سعد! -أي: بمعنى: (يا)، وهو حرف نداء (يا سعد) - ألم تسمع إلى ما قال أبو حباب؟ يريد عبد الله بن أبي قال: كذا وكذا)] أي أنه قال: الأحسن لك أن ترجع إلى رحلك وتدعو من جاءك من عندنا ولا تغشنا في مجالسنا.

[قال سعد بن عبادة: (اعف عنه يا رسول الله! واصفح، فوالله لقد أعطاك الله الذي أعطاك)] أنت تعلم أن الله أعطاك النبوة وأعطاك الرسالة، وهذا أشرف شيء يمكن أن ي