[حكم قبول هدية المشرك]
قال الإمام النووي: (اختلف العلماء في إسلام فروة بن نعامة أو ابن نفاثة على الصحيح.
قال القاضي: قال الطبري: أسلم وعمّر عمراً طويلاً.
وقال غيره: لم يسلم، وفي صحيح البخاري أن الذي أهداها له ملك أيلة، واسمه يحنة بن روبة.
فإن قيل: ففي هذا الحديث قبوله صلى الله عليه وسلم هدية الكافر).
لو قلنا بأنه لم يسلم لزمنا القول بأنه عليه الصلاة والسلام قبِل الهدية من الكافر، وهذا ليس جائزاً.
قال: (وفي الحديث الآخر: قال عليه الصلاة والسلام: (هدايا العمال غلول) مع حديث ابن اللتبية) رضي الله عنه حينما أرسله النبي عليه الصلاة والسلام ليأتي بالصدقات؟ فكان يهدى إليه خلافاً لأموال الصدقات، فلما أتى إلى النبي عليه الصلاة والسلام قال: هذا لكم وهذا أُهدي إلي، فغضب النبي عليه الصلاة والسلام وصعد المنبر ثم قال: (إن أحدكم إذا أرسلته أتاني فقال: هذا لكم وهذا أُهدي إلي، هلا جلس في بيت أبيه أو أمه فينظر ماذا يُهدى إليه؟).
وفي رواية: (فينظر هل يهدى إليه أم لا؟).
وبلا شك أنه لو جلس في بيت أبيه أو أمه ما أُهدي إليه.
إذاً: هذه الهدايا التي دخلت عنده أو أتته ما أتت إلا بسبب العمل، وهو يسميها هدية، وهي في الحقيقة غلول، وإن كان أصل الغلول الأخذ من الغنيمة قبل توزيعها على الغانمين.
قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران:١٦١].
وحينما شهد أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام لمولى من مواليه حينما قُتل في القتال: أنه من أهل الجنة، قال: (والله إني لأرى النار تشتعل عليه بسبب الشملة التي غلها).
فهذا أمر عظيم جداً؛ ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (هدايا العمال غلول) أي: كالأخذ من الغنيمة قبل توزيعها، فحينما أخذ النبي عليه الصلاة والسلام الهدية من فروة بن نفاثة قامت الشبهة لدى البعض، كيف يقبلها النبي عليه الصلاة والسلام مع أنه قال: (هدايا العمال غلول)؟ وفي الحديث الآخر: أنه عليه الصلاة والسلام رد بعض هدايا المشركين وقال: (إنا لا نقبل زبد المشركين)، فكيف نجمع بين هذه الأحاديث؟ قال بعض العلماء: إن هذه الأحاديث التي تمنع قبول هدية المشرك ناسخة للأحاديث المجيزة لقبول هدية المشرك.
وقال الجمهور: لا نسخ في هذه الأحاديث؛ لأنكم تعلمون أن السبب الرئيسي في ادعاء النسخ هو معرفة التاريخ.
فقالوا: بل سبب القبول: أن النبي عليه الصلاة والسلام مخصوص بالفيء الحاصل بلا قتال، فالغنائم تطلق على المكاسب العسكرية أو المكاسب المادية جراء القتال، أما ما أخذه المسلمون بغير قتال فهو فيء وليس غنيمة، والفيء صاحبه النبي عليه الصلاة والسلام.
قالوا: فهذا المشرك حينما أهدى النبي صلى الله عليه وسلم بغلة أهداها بغير قتال، فهي فيء مخصوص للنبي عليه الصلاة والسلام بخلاف غيره، فقبل النبي عليه الصلاة والسلام هذه البغلة منه لعلة أخرى وليس لعلة الفيء، هذه العلة هي طمعه عليه الصلاة والسلام في إسلامه وتأليفه لمصلحة يرجوها للمسلمين، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم كافأه بذلك، وأعطاه هدية مكافئة لذلك تأليفاً لقلبه، وطمعاً في إسلامه، وهذا لا شك غرض شرعي، حتى بين المسلمين فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (تهادوا تحابوا).
وفي مفهوم المخالفة: أن رد الهدية له أثر سلبي في القلب؛ ولأجل ذلك قبل النبي صلى الله عليه وسلم من هذا المشرك الهدية، وكافأه ولم يكن في قبولها مصلحة؛ لأن الهدية توجب المحبة والمودة.
أي: إذا كنتم تخافون أن الهدية هذه التي أخذها من المشرك تعمل عملها في قلب النبي صلى الله عليه وسلم فيميل إلى هذا المهدي المشرك بالمودة والحب؛ فهذا ممنوع عن النبي عليه الصلاة والسلام، بل مستحيل أن يقع في قلب النبي عليه الصلاة والسلام.
قال: (وأما غير النبي عليه الصلاة والسلام من العمال والولاة، فلا يحل له قبولها لنفسه) البتة، فإن أخذها كانت من حق بيت المال أي: من حق المسلمين عامة.
هذا إن أخذها والأصل ألا يأخذها، لكنه إن أخذها ودفعها إلى بيت مال المسلمين فلا حرج عليه، فإن أخذها لنفسه فلا تحل له، فهذا القول هو قول جماهير العلماء، وهو القول الراجح.
قال: (فإن قبلها كانت فيئاً للمسلمين فإنه لم يهدها إليه إلا لكونه إمامهم، وإن كانت من قوم هو محاصرهم فهي غنيمة.
قال القاضي: وهذا القول قول الأوزاعي ومحمد بن الحسن وابن القاسم وابن حبيب وحكاه ابن حبيب عمن لقيه من أهل العلم.
وقال آخرون -وهو المذهب الثالث- هي للإمام خاصة دون غيره).
وقد سبق التفصيل: وأن للإمام أن يقبلها نيابة عن المسلمين على أن يضعها