[شرح حديث ابن عمر في كفارة من لطم عبده]
قال: [حدثني أبو كامل فضيل بن حسين الجحدري حدثنا أبو عوانة -وهو الوضاح بن عبد الله اليشكري - عن فراس -وهو ابن يحيى الهمداني أبو يحيى الكوفي المعروف بـ المُكتب - عن ذكوان أبي صالح السمان عن زاذان أبي عمر -وهو الكندي البزاز، نسبة إلى البز وهي الثياب، وقيل: هو متاع البيت الخاص بالثياب، والبزاز هو بائع أو صانع الثياب- قال: (أتيت ابن عمر وقد أعتق مملوكاً، قال: فأخذ من الأرض عوداً أو شيئاً، فقال: ما فيه من الأجر ما يسوى هذا)].
والأصح: ما يساوي هذا، وأما (ما يسوى) فهو من الألفاظ العامية، ولعل هذا من تصرف بعض الرواة.
قال ابن عمر [: (إلا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتقه)].
والعلماء يفرقون في ضرب المماليك أو في ضرب الخدم -والخدم هم الإماء الرقيق- بين الضرب المبرح والضرب الخفيف، وقال الدارقطني: إذا كان ضرباً مبرحاً فإنما كفارته العتق، وإذا كان ضرباً خفيفاً لا يتأذى به المملوك فليس على سيده شيء.
وعبد الله بن عمر لما أعتق هذا المملوك أخذ عوداً من الأرض وظل ينكت به في الأرض وهو يقول: (ما في عتق هذا المملوك من الأجر ما يسوى هذا)، يعني: كأنه يقول: ليس لي في عتق هذا المملوك أجر إلا أجراً ضئيلاً جداً؛ لأنني ما أعتقته احتساباً لله عز وجل، وإنما أعتقته كفارة، أي: أنه لم يكن منه العتق الأولي بغير كفارة.
قال: [وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار واللفظ لـ ابن المثنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر -وهو المعروف بـ غندر - حدثنا شعبة عن فراس الهمداني قال: سمعت ذكوان يحدث عن زاذان: (أن ابن عمر دعا بغلام له، فرأى بظهره أثراً -أي: أثر الضرب الذي ضربه إياه ابن عمر - فقال له: أوجعتك؟ قال: لا، قال: فأنت عتيق)].
وقول العبد لما قال له سيده عبد الله بن عمر: أوجعتك؟ قال: لا، يدل على أن هذا الضرب غير مبرح، وعلى هذا يكون أعتقه ابن عمر استحباباً وخروجاً من الخلاف، وربما يكون جواب العبد بقوله: لا، أو: ما أوجعتني على سبيل التأدب مع سيده، مع أنه قد أوجعه، فأراد ابن عمر رضي الله عنه أن يخرج من ذنبه مخافة أن يكون دفعه الحياء إلى عدم ذكر ألمه ووجعه، فقال: فأنت عتيق، أي: أنت حر لوجه الله.
[(قال: ثم أخذ شيئاً من الأرض فقال: ما لي فيه من الأجر ما يزن هذا، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من ضرب غلاماً له حداً لم يأته، أو لطمه فإن كفارته أن يعتقه)].
(من ضرب غلاماً له حداً)، أي: قدر ما يساوي حداً، ولا حد في أقل من عشرة أسواط، فمهما فعل المرء من ذنب، فإنه يحرم على المؤدب أو المعلم أو السلطان أو السيد أن يضربه تعزيراً فوق عشرة أسواط، إذا لم يكن هذا الذنب كبيرة من كبائر الذنوب، ويستحق إقامة الحد عليه، وأقل الحد عشرة أسواط.
وهذا يدخل فيه المعلم والمدرس والكبير والزوج والأب، وننبه جميع المسئولين ومن كان تحت أيديهم رعايا أنه إذا أخطئوا فإنما يعزرون ما لم يبلغ خطؤهم إلى درجة الحد، ولا إقامة للحد في هذه الأزمان -ولا حول ولا قوة إلا بالله- فلم يبق لنا إلا التعزير، والتعزير أقصاه عشرة أسواط، وليس بلازم أن تأتي بأقصى عقوبة في التعزير، والتعزير منه التوبيخ والوعظ والزجر واللوم والهجر، ويكون الضرب في نهاية الأمر، ويكون ضرباً غير مبرح.
وليس لازماً أن يبلغ الضرب في التعزير أقصاه، بل ربما يكفي ضربه ضربة واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً، وقد يضرب الواحد منا ولده فوق هذا الحد، أي: العشرة الأسواط، وربما يضرب المعلم التلميذ فوق العشرة الأسواط، وربما يضرب السيد عبده فوق العشرة الأسواط، فإذا كان ذلك بغير بلوى قد وقع فيها العبد فيكون هذا السيد قد حده في غير ما يستوجب الحد، فكفارته أن يعتق، وكذلك إذا لطمه على وجهه، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (إذا ضرب السيد عبده حداً لم يأته، أو لطمه)، والمعروف أن اللطمة لطمة واحدة، وتكون على صفحة الوجه أو ما غطى من الوجه، فانظر إلى هذا الفقه العجيب، فإن ضربه فوق العشرة أسواط، أو لطمه على وجهه لطمة واحدة ففي الحالتين الكفارة إعتاق هذا العبد؛ لأن الوجه له حرمة تختلف عن حرمة بقية البدن، ولما لطم معاوية بن الحكم السلمي جارية له ذهب إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: (يا رسول الله! إني لطمت جاريتي)، ولا يقال للضرب لطم إلا إذا كان في الوجه.
(قال: أين هي؟ قال: هي ذي، فأدناها النبي عليه الصلاة و