[حكم اللقطة]
حكم اللقط: فيه خلاف بين العلماء، فمذهب الحنفية والشافعية: استحباب اللقط وليس الوجوب.
والمالكية والحنابلة على كراهة اللقط.
وقد تجري على اللقط الأحكام الشرعية الخمسة، كما أن النكاح تجري عليه الأحكام الشرعية الخمسة، فقد يكون واجباً في حق فلان، وقد يكون محرماً في حق فلان، إذا كان الرجل يملك الباءة وتتوق نفسه إلى نكاح النساء ويخشى على نفسه العنت أو الوقوع في المعصية فحينئذ يجب عليه النكاح، ولو كان الرجل مجبوباً أو عنيناً أو لا ذكر له وإن كان يملك المال فيحرم عليه النكاح؛ لأنه يضر بالمرأة في أعز حق لها عند الرجل، يضر بها وهو غاش ومدلس في هذا النكاح فيحرم عليه ذلك.
إذاً: قد يكون النكاح مكروهاً أو مستحباً أو مباحاً.
وكذلك اللقطة قد تكون واجبة إذا خفت على المال الضائع التلف، فيتعين اللقط لحفظها.
مثلاً: رجل يمشي في صحراء بسيارة، وأنت تسير خلفه بسيارة وهذا الطريق في الغالب لا يمشي فيه أحد، ونادراً ما يمشي فيها كل عدة أيام فوج أو قافلة أو سيارة أو غير ذلك، فإذا وجدت في هذا الطريق طعاماً قابلاً للعطب بعد عدة أيام وغلب على ظنك عطبه -وأنتم تعلمون أن معظم الأحكام الشرعية إنما تجري على غلبة الظن، الأحكام الشرعية معظمها مبني على غلبة الظن- وأنه لا يمكن حفظه، وإذا تركته فسد؛ فحينئذ يتعين عليك أخذه، وتأثم بتركه، وإذا كنت آثماً في تركه وجب عليك الالتقاط، فحينئذ إذا تعين اللقط طريقاً لحفظ المال كان الالتقاط واجباً.
وأحياناً يكون مندوباً وهو عند عدم خوف التلف عليها، أو يغلب على ظني أن الدار والبلد أمان وربما يُهيأ لهذا الطعام من هو آمن عليه مني.
ويكون اللقط محرماً وهو عندما يأخذ الملتقط المال الضائع لا لحفظه ورده إلى صاحبه بل لتملكه، حينما وقعت عيني على المال المرمي على الأرض ورد في ذهني فوراً أن آخذ هذا المال لا لأعرفه ولكن لأتملكه ولو سألني أحد عنه سأنكر وأقول: أنا ما رأيت شيئاً ولا التقطت شيئاً.
فهذا سطو على أموال الناس بغير حق، وأخذ ونهب لأموال الناس بالباطل.
وهذه المسائل يستطيع كل إنسان أن يضبطها بنفسه، فكل إنسان يعلم من نفسه ذلك، فإذا رأيت مالاً فهذا الشيء بيني وبين الله عز وجل، أنا آخذ المال لكي أعرفه، وأيضاً لو أن المال هذا لم يعرف على مدار سنة أو سنتين ولم يظهر صاحبه أضعه في مكان عام آمن للتعريف! فإذا أخذ هذه اللقطة وهو ينوي تملكها ففي هذه الحالة يحرم عليه التقاطها؛ لأنه يعلم من نفسه ضعفاً وأحياناً يكون اللقط مكروهاً وذلك في حق من يشك في أمانة نفسه، كأن تكون نفسه ضعيفة تتنازعه قوى الخير والشر، هو رجل صالح وتقي لكن نفسه تغلبه، وكل ما أمره قرين الخير من الملائكة بالمعروف غلبه قرين السوء من الأبالسة والشياطين بأن يحول هذا المال إلى نفسه، فهو متحير متردد بين الأمرين يأخذه أم يعرفه؟ كلما استقر على أمر غلبه الآخر، فهذا إنسان عنده شك في نفسه وفي قدرته وأمانته؛ فيكره له الالتقاط، فالمال الملتقط يكره أخذه إذا كنت على يقين أنك ستأخذه ولا تعرفه أو أنك تشك في أمانتك.
فكل إنسان يعلم من نفسه ومن حاله حكم اللقطة في حقه هو: هل هي واجبة أم محرمة أم مندوبة أم مكروهة أم مباحة؟! والمباح إذا استوى الفعل والترك، قال الحافظ ابن حجر: ومن ثم كان الأرجح في مذاهب العلماء أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال، فمتى رجح أخذها وجب أو استحب، ومتى رجح تركها حرم أو كره، وإلا فهو جائز.
يعني: مباح.