للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بيان أن القول بوجوب نصب الخليفة معتقد أهل السنة والجماعة]

ورد علي سؤال يقول: إنك تقول بوجوب نصب الخليفة، وسمعناك في الدرس الماضي يوم السبت الماضي تقول: يجب على كل مسلم أن يساهم وأن يبادر في نصب الخليفة العام، واعلم أن هذا المطلب ليس مطلب أهل السنة والجماعة، وإنما هو مطلب أهل البدعة؟

الجواب

إن الشبهة دخلت على السائل من باب خلط وجوب نصب الخليفة بين معتقد أهل السنة والجماعة وبين حزب التحرير، فحزب التحرير هذا حزب شر على الإسلام والمسلمين، وهو من الشيعة والقدرية؛ لأن هذا الشعب إنما يفخر بثوابت الإسلام وبدعائم الدين، وهذا الحزب ما أُنشئ إلا لإحداث البلبلة والقلقلة في صفوف المسلمين، وحربنا لهذا الحزب -في الشام تارة، وفي أمريكا تارة، وفي مصر تارة- لا يخفى على من كان يعرف جهاده -والحمد لله- ضد هؤلاء، بل ولي مصنّف في حزب التحرير وبيان عوار ما كانوا عليه من ديانة، لكنهم دائماً يطالبون بالخلافة، ولو انعقدت الخلافة من جبريل عليه السلام لقالوا ببطلانها؛ لأنهم يقصدون أن يكون الخليفة من بينهم هم، فلو انعقدت لجميع الأنبياء والملائكة فهي عندهم باطلة، ولهم في الخلافة منهج منحرف عن منهج أهل السنة والجماعة، فليس هذا بطبيعة الحال ما نعنيه ولا نقصده.

ثم من القائل: إن وجوب نصب الخليفة بدعة؟ هل إذا أتانا الخليفة نقول: لا.

الخلافة بدعة؟! أظن أن كل مسلم صادق عالم بأمر دينه يتمنى أن لو يرسل الله تعالى إلينا خليفة، وإنكم لتعلمون أن الأمة في عز وسيادة وريادة طالما كان فيها خليفة، ولعلكم توقنون أن الذل والهوان ما لحق بالأمة إلا بعد موت آخر خليفة عثماني سنة (١٩٢٩م) على يد الكلب الهالك مصطفى كمال أتاتورك، فالإسلام ما أُهين إلا بعد موت هذا الخليفة، وكان هذا الخليفة يهدد أوروبا، فلا يمكن للأمة أن ترجع إلى ما كانت عليه من عز في عهد الخليفة العثماني إلا أن يشاء الله تعالى شيئاً آخر.

قال: (وأجمعوا على أنه يجب على المسلمين نصب خليفة، ووجوبه بالشرع لا بالعقل).

أي: إذا أردنا أن نحتج على وجوب نصب الخليفة، فإنما يكون ذلك بنصوص الشرع: قال الله، وقال الرسول، وأجمع الصحابة، أما أن نقول: مستند وجوب الخلافة أتى بالعقل، والعقل يوجب علينا نصب خليفة، والأمور لا يمكن أن تتم إلا بخليفة! فهذه كلها حلول عقلية، ونصب الخليفة دائماً يكون بالشرع لا بالعقل.

قال: (وأما ما حكي عن الأصم أنه قال: لا يجب نصب خليفة، وعن غيره أنه يجب بالعقل لا بالشرع، فباطلان، أما الأصم -الذي قال: لا يجب نصب الخليفة- فمحجوج بإجماع من قبله).

والإجماع حجة، وخاصة إجماع الصحابة الذي لا خلاف عليهم.

قال: (وأما الأصم فمحجوج بإجماع من قبله، ولا حجة له في بقاء الصحابة بلا خليفة في مدة التشاور يوم السقيفة).

يعني: الأصم لما قال: بعدم وجوب نصب الخليفة في كل وقت احتج بالمدة الزمنية اليسيرة بين موت النبي صلى الله عليه وسلم وتنصيب أبي بكر، ولا شك أن هذه المدة ليس فيها حجة مطلقة للأصم؛ لأن الصحابة ما تركوا نصب الخليفة إلا من باب التفاهم في تعيين من هو الخليفة؟ ثم هل يمكن أن يؤخذ من بعض اليوم حجة في عدم الوجوب؟ أبداً لا يمكن أن يكون ذلك، بل كانوا في تلك المدة ساعين في النظر في كل من يعقد له.

وأما القائل الآخر -وهو الذي قال: إن الخليفة يجب نصبه بالعقل لا بالشرع- ففاسد كذلك وفساده ظاهر؛ لأن العقل لا يوجب شيئاً، ولا يحسنه ولا يقبحه؛ لأن التحسين والتقبيح والوجوب والإثم وغير ذلك كله معروف بالشرع لا بالعقل.