للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أنواع التأويل]

والتأويل ينقسم إلى ثلاثة أنواع: تأويل العلم، وتأويل المعنى، وتأويل الكيف، ومذهب أهل البدع تفويض العلم والمعنى.

فمثلاً: قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥]، يقول أهل البدع: الله أعلم بالاستواء، فهم لا يخوضون في معنى الاستواء، والله تعالى لا يخاطبنا قط بما لا علم لنا به، وإنما يخاطبنا بكلام له معنى في لغة العرب، ولذلك نقول: الاستواء معلوم، ومعنى الاستواء: العلو والارتفاع، وأما كيف علا وارتفع؟ فهذا هو الذي لا نعلمه، فنفوض الكيفية إلى الله تعالى.

إذاً: علينا أن نعلم أن معاني الصفات معلومة، ولا نخوض في كيفيتها، لأنه إذا كنا لا نقوى ولا نقدر ولا نجسر أن نتكلم في الذات فالكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فلا يحل لنا أن نتكلم في الصفات كذلك.

إذاً: التفويض في العلم والمعنى منهج أهل البدع، والتفويض في الكيف منهج أهل الحق.

قال النووي: وقد سبق فيها المذهبان: التأويل، والإمساك عنه مع الإيمان به، أي: الإمساك عن التأويل في الكيف مع الإيمان به على حقيقته اللائقة بالله عز وجل، وهذا مذهب أهل السنة.

قال: مع اعتقاد أن الظاهر منها -أي: من الصفة- غير مراد.

وهذا أيضاً كلام جميل، وإن كان السلف يسكتون عن هذا، لكن معناه: أننا نعتقد أن اليد إذا أطلقت في حق المولى عز وجل لا يراد بها اليد الجارحة التي هي للخلق، فنثبتها لله عز وجل على المعنى اللائق به سبحانه، ولا نخوض في كيفيتها، ونعتقد أن الظاهر من هذا اللفظ فيما نفهم نحن من أيدي المخلوقين، فليس مراداً في حق الله عز وجل.

قال: فعلى قول المتأولين الذين يتأولون الأصابع هنا على الاقتدار -يعني يقولون: الأصابع معناها: القدرة- فنقول لهم: والقدرة ما معناها؟ فالذين يقولون: إن الأصابع هي القدرة، واليد هي القدرة، فمعنى ذلك هو تعطيل الصفة، وهذا منهج الجهمية في تعطيل الصفات، فعلى قول المتأولين الذين يتأولون الأصابع هنا على الاقتدار، أي: خلقها مع عظمها بلا تعب ولا ملل.

والبعض الآخر يقول: إنها لمبالغة الاحتقار، فيقول أحدهم: بأصبعي أقتل زيداً، وفي الحقيقة: أنه لا يقتل زيداً بأصبعه، وإنما يقتله بيده كلها، فيقال هذا الكلام لاحتقار زيد ابتداءً.

والأمر الثاني: المراد بالذات قوتك، وهذا الكلمة تجوز في حقك، ولا تجوز في حق المولى عز وجل، لأن القانون الذي يحكم صفات الخلق يختلف عن القانون الذي يحكم صفات الله عز وجل.

قال: ويحتمل أن المراد أصابع بعض المخلوقات، مع أن الفاعل حقيقة هو الله سبحانه وتعالى الذي يحمل هذه المخلوقات.

وظاهر الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم صدق الحبر في قوله: إن الله تعالى يقبض السماوات والأرضين والمخلوقات بالأصابع.