[استحباب الأذانين في الصبح]
قال: (وفي هذا الحديث استحباب أذانين في الصبح) هذا في رمضان وغيره، وهذه المسألة أثيرت هنا في هذا النص وفي هذا الدليل لتعلق الصوم به، وإلا فهناك أدلة أخرى شهدت بأن الفجر كان يؤذن له اثنان من المؤذنين أحدهما قبل الفجر، والآخر بعد طلوع الفجر.
وهناك مشكلة في صلاة الفجر في مساجد الأوقاف، تجدهم يقيمون الصلاة بعد عشر دقائق، أو بعد ربع ساعة من الأذان، وأذانهم للفجر قبل الوقت، يعني: في أثناء الفجر الكاذب، وهناك أبحاث كثيرة نزلت وكتبت وصنفت تبين هذا الكلام من علماء بالشرع ومن علماء بالفلك، والمسألة هذه ليست حديثة، بل هي قديمة جداً، فأنا قرأت رسالة للشيخ أحمد شاكر عليه رحمة الله، وقد مات منذ أربعين سنة وزيادة، وهو من جلة علماء الأزهر، يقول: إن الصلاة في مسجد الحسين وفي غيره التي تؤدى قبل ميعادها الحقيقي بنصف ساعة، ليس خمس دقائق أو عشر دقائق، وهذه الرسالة اسمها (رسالة الأشهر العربية)، إذا أردتم أن ترجعوا لها فارجعوا لها، وله كتاب اسمه: مقالات الشيخ أحمد شاكر وهذه المقالة أيضاً في داخل هذا الكتاب فاقرءوها.
فالإخوة الحريصون على أداء الصلاة في أوقاتها يؤخرون في مساجدهم الصلاة إلى ثلث ساعة أو خمس وعشرين دقيقة أو نصف ساعة، بخلاف المساجد التي ربما نزل المؤذن من أعلى السطح وقد فاتته ركعة أو ركعتين، فهذا فيه حرج شديد جداً؛ لأن الصلاة مبناها على الاحتياط، والاحتياط في أداء الصلاة بالتأخير، وأقل ما يقال في استحباب تأخير صلاة الفجر: إنه من باب الاحتياط؛ لأننا إذا أخرناه عن وقته لم نخرج عن الوقت، فضلاً عن أننا نكون على يقين بدخول الوقت، والذين يقولون بجواز الصلاة قبل وقتنا الذي نصلي فيه بعشر دقائق أو بربع ساعة هل يختلفون معنا في أننا نؤدي الصلاة في وقتها؟ لا، وهل نختلف نحن معهم في أنهم يؤدون الصلاة في غير وقتها أو في وقتها؟ نعم، نختلف معهم، فإذا كانت القضية فيها اتفاق وافتراق فيصير الاتفاق أولى من الافتراق، فيجب عليهم أن يصيروا إلى ما نحن عليه، وأن يؤخروا الصلاة عن الوقت الذي يصلون فيه؛ لأن هذا هو وقت الاحتياط، بل هذا هو وقت اليقين أننا نصلي في وقت الفجر الصادق، يعني: الذي يصلي بعد الأذان بعشر دقائق ربما يصلي في الوقت وربما لا يصلي في الوقت، أما الذي يصلي بعد نصف ساعة من الوقت فلا بد وأنه يصلي في الوقت.
وسمعت شيخنا الألباني وقد سئل: أنا أصلي في مسجد بجواري يقيم الصلاة قبل وقتها؟ والشيخ الألباني من مذهبه عدم صلاة الفجر إلا بعد مرور نصف ساعة من الأذان الذي تسمعه بالإذاعة، ولا بأس أن تصلي السنة ركعتي الفجر بعد خمس وعشرين دقيقة من الأذان.
وهذا السائل سأل وقال: أنا أسكن بجوار مسجد كذا، وهو يصلي بأمر الحكومة ويقدم الصلاة؟ فقال الشيخ: صل معهم وعدها من صلاة الليل، ثم انطلق إلى أهلك وصل بهم الفرض.
الأصل أنه يناط التصحيح بإمام المسجد ويبين المسألة أو يعتزل.
وأنا سألت الشيخ عليه رحمة الله، قلت له: وما قيمة هذه الصلاة، إذا كان قد صلى في الليل إحدى عشرة ركعة وأوتر وانتهت صلاته؟ قال: حتى لا تحدث الفتنة، فيلزمه صلاة الفجر في البيت بعد صلاتها مع الناس مخافة الفتنة فقط، لكن ليس بواجب عليك، لكنك لو تعودت التخلف عن صلاة الفجر فسيسأل الناس: لماذا يتخلف فلان عن صلاة الفجر؟ وستجد المحتسبين والمتبرعين يتهمونك في دينك، صحيح، وهذا شر من الذي لم يذهب إلى المسجد قط.
وأنا لما قرأت قديماً رسالة الشيخ أحمد شاكر ورسالة عبد الملك علي الكليب، في أن الفجر يكون بعد نصف ساعة، كنت أنبه الإخوة وأقول لهم: هذا الفجر فجر باطل، ونحن لا يلزمنا الصلاة معهم، والصلاة معهم باطلة، فأشرت عليهم أننا نصلي الفجر جماعة في المسجد بعد أن يمضي الناس، لكن الناس كانوا يتأخرون في المسجد بعد تأديتهم لصلاة الفجر، فكنا نروح والناس موجودون، فلما تكرر هذا منا قالوا: لماذا أنتم تتأخرون، وتأتون في وقت معين بعد صلاة الجماعة؟ فذكرنا لهم الحكاية كيت وكيت وكيت وكيت، وقلنا لهم: أنتم تركتم وأنتم ستذهبون إلى النار، فحصلت فتنة في المسجد من ضرب وشجار، ونحن في ذلك الوقت نعتبر أنفسنا مجاهدين ومظهرين للشريعة وغير ذلك، وما كان منا إلا أن حرمنا ومنعنا من دخول المسجد نهائياً، لا في الوقت ولا في غير الوقت.
قال: (وفيه اعتماد صوت المؤذن) يعني: لو سمعت صوت المؤذن فاعتمد عليه في الطعام والشراب والنكاح.
وفي هذا الحديث دليل لجواز الأكل بعد النية، يعني: لو تسحرت الساعة الواحدة بالليل وعقدت نيتي على الصيام، ثم سمعت أذان المؤذن الأول فبدا لي أن آكل، فيجوز لي أن آكل حتى بعد عقد النية بالصيام، ما دام الفجر الصادق لم يطلع، بخلاف صيام أهل الكتاب، فصيام أهل الكتاب بعد انعقاد النية يحرم الطعام والشراب، لكن عليك أن تجدد نيتك ولا يضرك هذا.