للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بيان العلة من ترك النبي الصلاة على ماعز وصلاته على الغامدية]

لو قيل: لماذا لم يستغفر له وقد تاب بإقامة الحد عليه؟ ف

الجواب

حتى لا يكون استغفار النبي صلى الله عليه وسلم ذريعة لغيره من الأحياء في طلب الاستغفار من النبي صلى الله عليه وسلم إن وقع فيما وقع فيه ماعز.

إذاً: النبي صلى الله عليه وسلم ترك الاستغفار له؛ مخافة أن يقع في مثل فعله الآخرون طلباً لاستغفار النبي عليه الصلاة والسلام.

قال: (ولا سبه).

فإن قيل: ولم لم يسبه وقد ارتكب الزنا؟

الجواب

لأنه قد تاب بإقامة الحد عليه.

وأنتم تعلمون أن من تاب من الذنب كمن لا ذنب له، فكيف يسب من لا ذنب له؟ فترك النبي الاستغفار له كما ترك سبابه وشتمه، ولم يصل عليه، وإنما صلى على الغامدية، وذلك من باب الزجر للأحياء عن ذلك.

وصلى على الغامدية للفارق بين ما كان من أمر ماعز وما كان من أمر الغامدية، فهناك أمور دعت النبي عليه الصلاة والسلام إلى ألا يصلي على ماعز.

يقول العلماء: لأن ماعزاً فر لما مسه العذاب، والغامدية لم تفر، وماعز أقر في مجلس واحد أربع مرات، فحكم النبي عليه الصلاة والسلام في نفس المجلس بالرجم، أما الغامدية أتت وقالت: (إني فجرت، فلا تردني كما رددت ماعزاً بالأمس) أي: فلا تفعل معي وتقرني أربع مرات كما فعلت مع ماعز بالأمس.

وقالت له: (وأنا حبلى من الزنا.

قال: ارجعي حتى تضعي حملكِ.

فرجعت.

فلما وضعت حملها أتت به -وكل هذا والصحابة ينظرون- فقال: ارجعي حتى تفطميه، فرجعت حتى فطمته، ثم أتت به إلى النبي عليه الصلاة والسلام وفي يده كسرة خبز) وكل هذا شواهد قوية على أن المرأة قد تابت قبل إقامة الحد عليها، ولو أن المرء أقيم عليه الحد وإن لم يتب من الذنب فالحد كفارة.

إذاً: إذا أقيم الحد على محدود فمجرد الحد كفارة لذنبه، فما بالك لو جمع المحدود إلى الحد توبة قبل إقامة الحد عليه؟ وهذا فارق جوهري بين ما كان من أمر ماعز وما كان من الغامدية؛ ولذلك ترك النبي عليه الصلاة والسلام الصلاة على ماعز.

قيل: لأجل هذه الفروق.

وقيل: ربما لبعض ضعاف النفوس من المنافقين أو حديثي العهد بالإسلام أو غير ذلك، فهو بذلك ترك الصلاة للمصلحة الشرعية على ماعز، ولم تتهيأ هذه الظروف في وقت إقامة الحد على المرأة الغامدية؛ ولذلك ترك الصلاة على ماعز وصلى على الغامدية.

وقيل غير ذلك.

وفي رواية أخرى: [(فقام النبي صلى الله عليه وسلم من في العشي فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد.

فما بال أقوام إذا غزونا يتخلف أحدهم عنا له نبيب كنبيب التيس.

ولم يقل: في عيالنا)].

وفي رواية سفيان قال: [(فاعترف بالزنا ثلاث مرات)] ولم يقل: أربعاً.