للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[باب في نسخ التحلل من الإحرام والأمر بالتمام]

الباب الثاني والعشرون: في نسخ التحلل من الإحرام والأمر بالتمام.

قال تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:١٩٦]، يعني: كلاهما معاً بملبس واحد وإحرام واحد.

قال: [قال أبو موسى الأشعري: (قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منيخ بالبطحاء -يعني: قد أناخ بعيره في البطحاء- فقال لي: أحججت؟ فقلت: نعم -يعني: أهللت بالحج؟ فقلت: نعم- قال: بم أهللت؟ قال: قلت: لبيك بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم)].

وأبو موسى الأشعري كان قد جاء من اليمن، والأشعريون يمنيون في الأصل، فـ أبو موسى الأشعري أصله من اليمن.

واليمن من الجزيرة العربية، والاستعمار هو الذي فرق البلاد الإسلامية ووضع الحدود بين بلدانها، فهذه اليمن، وهذه الحجاز، وهذه مصر، وتلك ليبيا وغير ذلك، وكل هذه التسميات أو الحدود التي فرقت بين هذه المسميات ما أنزل الله بها من سلطان، والأصل أن الأرض كلها ملك لكل مسلم إلا ما حذر منه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، والذي حذر منه الله تعالى ورسوله هي بلاد الكفر وبلاد الحرب، وقد أخرج أبو داود أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (أنا بريء ممن أقام بين ظهراني المشركين والكافرين).

وأما بلاد المسلمين فهي ملك لكل أحد من المسلمين.

وأرض الحجاز لا يحل أن يبقى فيها ولا أن ينزلها رجل من الكافرين؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا يجتمع في أرض الجزيرة العربية دينان قط).

وأرض الجزيرة تشمل بلاد الحجاز كلها.

وفي رواية: (أهل ملتين أبداً)، يعني: لا يجتمع فيها أبداً مسلم مع غيره، بل لابد من وجود المسلم دون غيره، وأما اليهود والنصارى وعبدة الأوثان فلابد من إخراجهم من جزيرة العرب.

والسياسة العالمية الآن تمنعهم من دخول مكة والمدينة فقط، ولما دخل هؤلاء الكفار بلاد الخليج والحجاز قال الشيخ الألباني محذراً: إن هؤلاء لا يخرجون حتى يأخذوا خيبر؛ لأنهم قد طردوا منها، فقد طردهم منها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والنبي عليه الصلاة والسلام كان قد فرض عليهم الجزية واستمر دفعهم للجزية في زمن أبي بكر، ثم أجلاهم عمر رضي الله عنه عن خيبر.

وهم لم ينسوا أن هذه أرضهم، ويعتقدون بأنهم سيرجعون إليها، وهم أصحاب الشعار من النيل إلى الفرات، ولهم شعار جديد الآن وهو تلك الكرة الدائرية التي تقضي بأن العالم ملك لليهود، ويصورون الكرة الأرضية ويضعون عليها نجمة داود، أي: أن نجمة داود لابد أن تسود بلاد العالم، فأحفاد القردة والخنازير يتصورون أنهم أسياد العالم جميعاً، وأن العالم لابد أن يحكم بسياسة غربية، وإن كان هذا الواقع اليوم، ولكن هذا ليس بفعل اليهود بالدرجة الأولى، وإنما هو بفعل أذناب اليهود هنا وهناك.

(قال: قلت: لبيك بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم)، وهذا يدل على أنه يجوز الإهلال بإهلال شخص آخر، وإن لم يعلم أنه أهل بشيء معين، فيجوز لك أن تقول: لبيك اللهم بإهلال كإهلال زيد أو عمر أو حسن أو إبراهيم أو سعد وأنت لا تدري بماذا أهل هؤلاء، أو بماذا أهل من اقتديت به في إهلالك، وهذا هو الإهلال المطلق، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (فقد أحسنت).

فالعبرة ليست في إهلال أبي موسى الأشعري، وإنما في إقرار النبي عليه الصلاة والسلام لإهلاله.

ثم أمره النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (طف بالبيت وبالصفا والمروة وأحل)، أي: طف بالبيت الذي هو طواف القدوم وهو كذلك طواف العمرة.

ولما قال له: (وأحل) دل على أنه كان متمتعاً؛ لأن القارن لا يتحلل بعد أداء العمرة، وإنما يبقى في ملابس إحرامه حتى يخرج يوم التروية إلى منى، ولا يتحلل إلا في يوم النحر.

قال: [(فطفت بالبيت وبالصفا والمروة، ثم أتيت امرأة من بني قيس ففلت رأسي)].

يعني: غسلت رأسه ومشطته وسرحته، وهذه المرأة من بني قيس قريبة له، أو هي من محارمه، وبنو قيس هم أهل أبي موسى، واسم أبي موسى الأشعري عبد الله بن قيس الأشعري.

قال: [(ثم أهللت بالحج) يعني: بعد أن تحلل وأتى هذه المرأة ففعلت به ما فعلت.

جدد الإهلال في يوم التروية، الذي هو اليوم الثامن من ذي الحجة.

قال: [(فكنت أفتي به الناس -يعني: كان يفتي الناس بجواز التمتع من العمرة إلى الحج- حتى كان في خلافة عمر رضي الله عنه، فقال له رجل: يا أبا موسى! أو يا عبد الله بن قيس! رويدك بعض فتياك -يعني: انتبه يا أبا موسى الأشعري فإنك تفتي على غير ما يفتي به أمير المؤمنين- فإنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك بعدك، فقال -أي أبو موسى الأشعري -: يا أيها الناس! من كنا أفت