[صفات الله عز وجل ذاتية وفعلية]
القاعدة الخامسة: صفات الله عز وجل نوعان، صفات ذاتية وصفات فعلية.
فالصفات الذاتية لم يزل الله عز وجل ولا يزال متصفاً بها، وهي كذلك نوعان: معنوية وخبرية.
فالمعنوية: مثل الحياة والعلم والقدرة والحكمة وما أشبه ذلك من صفاته المعنوية.
وأما الصفات الخبرية فمثل اليدين والوجه والعينين، وغير ذلك مما له نظير في الاسم فقط عند مخلوقاته، فجوارح المخلوقين مثل العين واليد والوجه وغير ذلك تسمى صفات خبرية لله عز وجل، ولكنها ليست جوارح لله عز وجل، فإن الله تعالى له يد لكنها ليست كأيدي المخلوقين، وله وجه ليس كوجه المخلوقين، وله عين ليست كعين المخلوقين.
فهذه صفات خبرية لله عز وجل.
والله تعالى لم يزل له يدان ووجه وعينان منذ الأزل وإلى الأبد، ولم يحدث له يدان وعينان ووجه بعد ذلك، تعالى الله عن ذلك.
وهو سبحانه وتعالى لا ينفك عن شيء من هذه الصفات في المستقبل، أي: أن هذه الصفات الذاتية تظل باقية لله عز وجل؛ لأنها لازمة لذاته، وهذه الصفات مثل صفة الحياة والعلم والقدرة، فإن الله لم يزل حياً ولا يزال حياً، ولم يزل عالماً ولا يزال عالماً، ولم يزل قادراً ولا يزال قادراً، فلا تتجدد حياته كتجدد حياة المخلوقين، ولا تتجدد قدرته كتجدد قدرة المخلوقين، بل هو موصوف بهذا أزلاً وأبداً، وتجدد المسموع لا يستلزم تجدد السمع، فأنا مثلاً عندما أسمع الأذان الآن فهذا ليس معناه أنه حدث لي سمع جديد عند سماع الأذان، بل هو موجود منذ خلقه الله تعالى، ولكن المسموع يتجدد، يعني: ما دامت الأصوات موجودة فأنا أسمعها ما دامت هذه الحاسة لم تتعطل، وهذا يقال فيه: تجدد المسموع، وتجدد المسموع هذا إنما هو في حق المخلوق دون الخالق سبحانه وتعالى، فالله تعالى لا يزال سميعاً بصيراً، ولم يزل سميعاً بصيراً منذ الأزل وإلى الأبد.
وقد اصطلح العلماء رحمهم الله تعالى على أن يسموا هذه الصفات صفات ذاتية؛ لأنها ملازمة للذات لا تنفك عنه سبحانه وتعالى.
وأما الصفات الفعلية، فهي الصفات المتعلقة بمشيئة الله عز وجل، سواء المشيئة الشرعية أو القدرية الكونية، والصفات الفعلية المتعلقة بالمشيئة نوعان: صفات لها سبب معلوم، كالضحك والرضا والغضب والسخط.
فكل هذه صفات لها سبب معلوم، فإذا أتيت ما يستوجب رضا الله عز وجل رضي عنك، وإذا أتيت ما يستوجب سخطه عز وجل سخط عليك وغضب عليك.
قال الله تعالى: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر:٧].
ومعنى ((وَلا يَرْضَى)) يعني: يسخط ولا يقبل ذلك ويرده على صاحبه.
وقال: {وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر:٧]، أي: وإن تؤمنوا ((يَرْضَهُ لَكُمْ)).
ومعنى الشكر هنا: هو الإيمان؛ لأنه قال في أول الآية: ((إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ))، أي: وإن تؤمنوا بالله عز وجل وتشكروه على هذه النعمة يرضى ذلك منكم.
فهذه الآية أثبتت الرضا والسخط لله عز وجل.
وأما الصفات التي ليس لها سبب معلوم فكصفة النزول إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، وظاهر الروايات تدل على أن الله تعالى إنما ينزل رحمة بعباده، ولكن الله تعالى قادر على أن يرحمهم وهو في السماء السابعة مستو على عرشه، فالحكمة من نزول الله عز وجل لا يعلمها أحد من الخلق.
ومن الصفات ما يجمع بين صفات الذات وصفات الفعل باعتبارين، فكلام الله عز وجل صفة فعلية لله عز وجل باعتبار آحاده، وهو في أصله صفة ذات، ومعنى ذلك: أن الله تعالى لم يزل متكلماً ولا يزال متكلماً، فهي بهذا الاعتبار صفة ذات، والله تعالى يتكلم إذا شاء ومتى شاء بما شاء، فتكون بهذا الاعتبار صفة فعل.
والصفات الفعلية اصطلح العلماء على تسميتها صفات فعلية؛ لأنها من فعله سبحانه وتعالى، ولها أدلة كثيرة من كتاب الله عز وجل، مثل قول الله عز وجل: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر:٢٢].
فهذه تثبت المجيء لله عز وجل.
وقول الله عز وجل: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ} [الأنعام:١٥٨].
والذي يقول: إتيان الرب هنا إنما هو إتيان أمره كلام باطل؛ لأن تعقيب هذا الكلام بقوله: {أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} [الأنعام:١٥٨]، يدل على التباين بين الأمر وبين الرب سبحانه وتعالى، وأن الله تعالى إنما يأتي بذاته، وكذلك يأتي بأمره، فقوله: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} [الأنعام:١٥٨]، يدل على أن إتيان الأمر هو غير إتيان الرب سبحانه وتعالى.
وقوله تعالى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة:١١٩]، فيه إثبات صفة الرضا لله عز وجل، وهذه صفة فعل، وليست صفة ذات