للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تسمية النجاشي وعده في الصحابة]

النبي عليه الصلاة والسلام كتب كتباً إلى الجبابرة وملوك الأرض، فكتب إلى كسرى وقيصر والنجاشي، لكنه ليس النجاشي الذي صلى عليه النبي عليه الصلاة والسلام؛ وذلك لأننا اتفقنا على أن النجاشي لقب يُطلق على كل من ملك الحبشة، أما النجاشي الذي صلى عليه النبي عليه الصلاة والسلام اسمه أصحمة، ومعنى أصحمة باللغة العربية: عطية.

فهو اسم جميل وممدوح، وهو معدود في الصحابة رضي الله عنهم، وأنا لا أدري كيف عُد في الصحابة؟ ولم أجد جواباً مقنعاً لعداده في الصحابة، فإن تعريف الصحابي: هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على ذلك.

فنقول: إن أصحمة نجاشي الحبشة آمن بالنبي عليه الصلاة والسلام، ومات على الإيمان في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتخلل ذلك ردة.

بل: قيل رُفع سريره -أي: نعشه- إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرآه وهو في المدينة في سنة (٩هـ) فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن أخاكم توفي اليوم فقوموا، فصفّهم النبي عليه الصلاة والسلام وصلى على النجاشي).

فهو يرى سريره والصحابة لا يرونه.

قيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى سريره -أي نعش النجاشي- فقام فصف أصحابه وصلى عليه صلاة الغائب؛ وذلك لأن الصحابة الذين هاجروا الهجرة الأولى والثانية إلى أرض الحبشة كانوا يرحلون من الحبشة إلى المدينة أفواجاً وجماعات وأفراداً، وكان آخر من قدم من مهاجرة الحبشة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام جعفر بن أبي طالب، وذلك في غزوة خيبر في سنة (٧ هـ).

ومات النجاشي على أصح الأقوال في العام التاسع من الهجرة، فصلى عليه النبي عليه الصلاة والسلام.

فكيف يقال حينئذ: إنه من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام وهو لم يلق النبي عليه الصلاة والسلام.

والصاحب: هو من لقي.

وهذا أول شرط، والنجاشي قطعاً لم يلق النبي عليه الصلاة والسلام؛ فكيف يُعد صاحباً؟ ربما يكون ذلك للموقف المحمود جداً، فإنه لم يقف أحد من أهل الأرض في ذلك الزمان هذا الموقف المشرّف جداً تجاه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، فقد أكرمهم وأعزهم وشرّفهم وأمّنهم في بلاده وأنفق عليهم، وزوّج أم حبيبة للنبي صلى الله عليه وسلم، ودفع مهرها كاملاً، فمناقبه كثيرة لا تكاد تُحصى، فربما استثنى النبي عليه الصلاة والسلام ذلك الرجل من شروط وأركان الصحبة بسبب ذلك، لكن أنا على أية حال لم يتبيّن لي وجه صحبته.

قال الذهبي: معدود في الصحابة رضي الله عنهم، وكان ممن حسن إسلامه ولم يهاجر -أي: لم يترك الحبشة- ولا له رؤية، فهو تابعي من وجه، وصاحب من وجه.

قوله: (هو تابعي من وجه) لأنه رأى الصحابة الذين هاجروا من مكة إلى الحبشة، وأكرمهم وأعزهم كما قلنا، ونحن نعلم أن التابعي: هو من لقي الصحابة، وقد لقي النجاشي الصحابة، فهو تابعي على هذا النحو اصطلاحاً لا غبار على ذلك، لكن كيف يكون صاحباً.

قال الذهبي: فهو تابعي من وجه صاحب من وجه، وقد توفي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فصلى عليه بالناس صلاة الغائب، ولم يثبت أنه عليه الصلاة والسلام صلى على غائب سواه.