[ما جاء من فدع يهود خيبر ليدي ابن عمر ورجليه، وإجلاء عمر لهم]
أخرج الإمام البخاري في صحيحه في كتاب الشروط في الباب الرابع عشر قال: إذا اشترط في المزارعة إذا شئت أخرجت.
قال: حدثنا أبو أحمد حدثنا محمد بن يحيى أبو غسان الكناني أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما فدع أهل خيبر عبد الله بن عمر.
أي: عذّبوه وضربوه وخلعوا كفه من ذراعه.
والفدع: هو الإصابة الشديدة في الكف أو في المفصل بين الكف والذراع.
قال: فلما فدع أهل خيبر عبد الله بن عمر قام عمر خطيباً رضي الله عنه فقال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل يهود خيبر على أموالهم) أي: صالحهم، لهم النصف ولنا النصف (وقال: نقركم ما أقركم الله) وجعل الأمر مفتوحاً لم يضرب لهم مدة زمنية محددة، سنة سنتين عشرة عشرين، وإنما قال: (نقركم ما أقركم الله) أي: ما شاء الله لكم أن تقروا في هذا المكان، فإذا رأينا إخراجكم أخرجناكم.
قال: (وإن عبد الله بن عمر خرج إلى ماله هناك) أي: إلى سهمه الذي ضُرب له بعد فتح خيبر؛ ليرعى مصلحة أرضه.
قال: (فعُدي عليه من الليل) وفي هذا دليل على أن يهود خيبر هم الذين فدعوا يديه.
قال (فعُدي عليه من الليل ففدعت يداه ورجلاه، وليس لنا هناك عدو غيرهم).
أي: أنه لا يمكن أن يفعل بـ عبد الله بن عمر شيء من ذلك إلا أن يكون عدواً، وليس لنا في خيبر عدو إلا اليهود، فهذا حكم مبني على القرائن.
قال: (هم عدونا وتهمتنا).
يعني: نحن نتهمهم ولا نتهم غيرهم؛ لأنه ليس لنا عدو غيرهم.
قال: (وقد رأيت إجلاءهم، فلما أجمع عمر على ذلك) أي: فلما استقر لدى عمر أن يجليهم من خيبر (أتاه أحد بني أبي الحقيق) عائلة أبي الحقيق كلها منافقة، ابتداء من أبي الحقيق وأبنائه وعمومته.
قال: (أتاه أحد بني أبي الحقيق، فقال: يا أمير المؤمنين!) وهذه مداهنة فإنه لم يأته ويقول له: يا أمير المؤمنين إلا لأنه مقر بأن هذا هو أمير المؤمنين.
قال: (قال: يا أمير المؤمنين أتخرجنا وقد أقرنا محمد صلى الله عليه وسلم؟).
وهذا عندما يصير اليهودي والنصراني في موطن الذلة.
أخرجنا شريطاً سنة ١٩٨١م من كنيسة بالمنصورة ينصح فيها قسيس أبناء الكنيسة، فيقول لهم: إذا حكمك المسلم أطعه حيثما أمرك، وإذا حكمت المسلم فأذله حيث شئت.
وهذا هو وضع اليهود والنصارى، بل وضع أعداء المسلمين عموماً.
قال: (قال: يا أمير المؤمنين! أتخرجنا وقد أقرنا محمد صلى الله عليه وسلم وعاملنا على الأموال وشرط ذلك لنا؟) وكأنه يقول له: هل أنت تبع لمحمد أم لا، فهو سيدك ورسولك؟ هو الذي أقرنا وجعلنا آمنين، وأعطانا العهد والميثاق أن نظل ونزرع الأرض، وأنتم لكم النصف ونحن لنا النصف، فلِم تخفر أنت ذمة رسولك؟ ويذكره عمر بالميثاق (فقال عمر: أظننت أني نسيت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف بك يا ابن أبي الحقيق! إذا أخرجت من خيبر تعدو بك قلوصك ليلة بعد ليلة) أي: بأن عمر يقول: أنت تذكرني بالعهد والميثاق الذي من النبي صلى الله عليه وسلم معكم، فأنا سمعته بأذني -ولم أنس ذلك- يقول لك: سيأتي عليك يوم يا ابن أبي الحقيق! تخرج من خيبر على رحلك تعدو بك ليلة واثنتين وثلاثة.
قال: (فقال: كان ذلك هزيلة) أي: كان نبيكم -صلى الله عليه وسلم- يمزح معنا، وقد صالحنا وعاملنا على أن لنا نصف الثمار فقط وليس نصف الأرض، على أن نزرعها ونكفيكم المؤونة.
فحينما بدأ يسب النبي صلى الله عليه وسلم قال: عمر: (كذبت يا عدو الله!) أي: أنه لم يفعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم هزيلة، (فأجلاهم عمر وأعطاهم قيمة ما كان لهم من الثمر مالاً وإبلاً وعروضاً من أقتاب وحبال وغير ذلك).
قال الحافظ ابن حجر في قول عمر رضي الله عنه: (فعدي على عبد الله بن عمر من الليل): قال الخطابي: كأن اليهود سحروا عبد الله بن عمر فالتوت يداه ورجلاه، واليهود هؤلاء أهل سحر وأهل ربا، وأهل غدر، فجميع القبائح التي يمكن أن يتصف بها آدمي مصدرها اليهود، كأن اليهود سحروا عبد الله بن عمر فالتوت يداه ورجلاه.
هكذا قال الإمام الخطابي.
ويحتمل أن يكونوا ضربوه ويؤيده تقييده بالليل.
ووقع في رواية عند البخاري بلفظ: فلما كان زمان عمر غشوا المسلمين، وألقوا ابن عمر من فوق بيت ففدعوا يديه.
أي: