[شرح حديث: (خلق الله التربة يوم السبت)]
وفي حديث آخر: [(خلق الله عز وجل التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الإثنين، وخلق المكروهات يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم عليه السلام آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة، فيما بين العصر إلى الليل).
قال إبراهيم -وهو ابن سفيان راوي صحيح مسلم -: وحدثنا البسطامي -وهو الحسين بن عيسى - وسالم بن عمار وإبراهيم بن بنت حفص وغيرهم عن حجاج بهذا الحديث].
يعني: يريد أن يقول: إنني شاركت مسلماً في رواية هذا الحديث، فـ مسلم يرويه عن سريج، وهارون، وأنا أرويه عن مسلم عن سريج وهارون، لكني اختصرت طريق مسلم، وارتقيت درجة فرويته بعلو، فأنا شريك لـ مسلم في هذه الطبقة.
قال أبو هريرة: (أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي كالصاحب له، فقال: خلق الله عز وجل التربة يوم السبت)].
يعني: خلق الله الأرض يوم السبت، (وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الإثنين، وخلق المكروهات يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم عليه السلام بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق، في آخر ساعة من ساعات الجمعة، فيما بين العصر إلى الليل).
أما قوله: (خلق المكروه يوم الثلاثاء) فالمكروه: هو ما يقوم به المعاش، ويصح به التدمير كالحديد وغيره من جواهر الأرض، وكل شيء يقوم به صلاح شيء فهو تقنه، ومنه: إتقان الشيء، وهو إحكامه.
وهذا الحديث نازع في ثبوته كثير من المحدثين، وقالوا: إن الحديث ضعيف، وآخر المحدثين الذين حكموا على هذا الحديث بالضعف هو شيخنا الألباني رحمه الله مع أنه ثابت في الصحيح، وحجتهم في ذلك: ضعف أيوب بن خالد أحد رواة إسناد هذا الحديث.
وفي الحقيقة: هذا الحديث كنت توقفت سنوات طويلة في ثبوته أو رده، حتى ترجح لدي أن أبا هريرة رضي الله عنه لم يأخذه عن كعب الأحبار، لأن حجة من قال برد هذا الحديث وعدم ثبوته: أن كعب الأحبار أخذه من كتب أهل الكتاب، وأخذه عنه أبو هريرة رضي الله عنه، وهذا الإسناد صريح في أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بيد أبي هريرة وقال له: (خلق الله التربة يوم السبت).
إلى آخر الحديث.
فهذا الحديث صريح في الرفع إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وأنه من قوله لا من قول كعب الأحبار.
لكن يبقى فيه علة أخرى وهي: ضعف أيوب بن خالد، لكن أيوب متابع، فقد تابعه غير واحد، وإن كانت المتابعات لا ترقى إلى مستوى التحسين بذاتها، إلا أن مجموع المتابعات يجعل النفس تطمئن إلى ثبوت هذا الحديث.
وقد انتهزت الفرصة في مكالمة تلفونية بيني وبين الشيخ أبي إسحاق اليوم بعد صلاة العصر، فقلت له: ما قولكم في حديث: خلق التربة والأرض والجبال وغيرها؟ قال: قد أثبته في المجلد الثاني من تفسير ابن كثير وبينت أن المرفوع منه حديث صحيح.
فلما وافقني الشيخ أبو إسحاق أحببت أن أخبركم باتفاقي معه واتفاقه معي في ثبوت هذا الحديث المرفوع، وأما ما يأتينا من طريق كعب المتعلق بالغيب فلا نأخذه، خاصة إذا انفرد به، والله تعالى أعلم.