[باب ما يلزم من طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة من البقاء على إحرامه حتى يتحلل في يوم النحر]
الباب التاسع والعشرون: باب ما يلزم من طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة من البقاء على إحرامه حتى يتحلل في يوم النحر.
هذا الباب في حكم القارن لا المتمتع؛ لأن المتمتع إذا طاف وسعى وحلق أو قصر جاز له كل شيء حتى النساء، أما المفرد فيأتي مباشرة إلى منى أو إلى عرفات.
ويتحلل في يوم النحر، وربما لم يبق لإحرامه إلا يومان: يوم عرفة ويوم النحر، على فرض أنه لم يدرك يوم التروية.
قال: [عن محمد بن عبد الرحمن: (أن رجلاً من أهل العراق قال له: سل لي عروة بن الزبير عن رجل يهل بالحج، فإذا طاف بالبيت أيحل أم لا؟ فإن قال لك: لا يحل فقل له: إن رجلاً يقول ذلك -يعني: هناك رجل يقول: يحل- قال: فسألته فقال: لا يحل من أهل بالحج إلا بالحج -يعني: إلا بأداء الحج- قلت: فإن رجلاً كان يقول ذلك، قال: بئس ما قال.
فتصداني الرجل -أي: فاعترضني- فسألني فحدثته فقال: فقل له: فإن رجلاً كان يخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فعل ذلك، وما شأن أسماء والزبير فعلا ذلك.
قال: فجئته فذكرت له ذلك، فقال: من هذا؟ -أي: من الذي يرسلك إلي ويسألك ويقول لك: إذا قال لك كذا فقل له كذا؟ - قال: قلت: لا أدري.
قال: فما باله لا يأتيني بنفسه يسألني؟ أظنه عراقياً -وهذا يدل على أن السلف كانوا يعرفون أن أهل العراق هم أهل فتنة- قلت: لا أدري.
قال: فإنه قد كذب.
قد حج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرتني عائشة رضي الله عنها أن أول شيء بدأ به حين قدم مكة أنه توضأ، ثم طاف بالبيت)] وهذا مذهب الجماهير: أن الوضوء شرط في صحة الطواف، وأن الطواف صلاة إلا أن الله أحل فيه الكلام، ولا تكون الصلاة بغير وضوء، إلا أبا حنيفة فإنه قال: الوضوء ليس شرطاً في صحة الطواف ولكن يستحب، والراجح: الأول.
قال: [(ثم حج أبو بكر فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ثم لم يكن غيره -يعني: لم يفعل غير ذلك- ثم عمر مثل ذلك، ثم حج عثمان فرأيت أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ثم لم يكن غيره، ثم معاوية وعبد الله بن عمر، ثم حججت مع أبي -أي: الزبير بن العوام - فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت، ثم لم يكن غيره، ثم رأيت المهاجرين والأنصار يفعلون ذلك، ثم لم يكن غيره، ثم آخر من رأيت فعل ذلك ابن عمر ثم لم ينقضها بعمرة، وهذا ابن عمر عندهم أفلا يسألونه، ولا أحد ممن مضى ما كانوا يبدءون بشيء حين يضعون أقدامهم أول من الطواف بالبيت، ثم لا يحلون -يعني: لا يعتبرون أن هذا الطواف يجيز لهم التحلل- وقد رأيت أمي وخالتي -أمه أسماء، وخالته عائشة - حين تقدمان لا تبدءان بشيء أول من البيت تطوفان به، ثم لا تحلان أي: إلا بعد السعي والتقصير أو الحلق، والتقصير في حق النساء قيد أنملة من كل ضفيرة.
قال: وقد أخبرتني أمي أنها أقبلت هي وأختها والزبير وفلان وفلان بعمرة قط، فلما مسحوا الركن حلوا)].
هذا الكلام لا بد من تأويله: (لما مسحوا الركن حلوا)، ويقصد الركن الذي فيه الحجر الأسود، وأن الماسح للركن يمسحه في مبدأ الطواف، وهل هناك تحلل بمجرد البدء بالطواف، أم أن التحلل يكون بعد السعي والحلق والتقصير؟ إذاً: لا بد من تأويل هذا النص.
قال: فلما مسحوا الركن حلوا، والتأويل: أنهم لما انتهوا من الطواف والسعي والتقصير حلوا، هذا تأويل ولا بد منه حتى لا تتضارب الروايات.
قال: وقد كذب فيما ذكر من ذلك، وبقية الروايات على نحو هذا.