للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[باب ترائي أهل الجنة أهل الغرف]

قال رحمه الله تعالى: [باب ترائي أهل الجنة أهل الغرف].

يعني: من كانوا في ساحة الجنة ينظرون إلى أصحاب الغرف العليا ويرونهم، ومعلوم أن في الجنة غرفاً يرى داخلها كما يرى خارجها.

وقوله: (باب ترائي) أي: ثبوت الرؤية بين عموم أهل الجنة وبين أصحاب الغرف كما يرى الكوكب في السماء، يعني: كما أنك تنظر هكذا إلى السماء فترى الكوكب الدري المضيء اللامع في وسط السماء، فكذلك وأنت تسير في الجنة لو نظرت فوقك لرأيت أصحاب الغرف تماماً كما لو أنك نظرت الآن إلى السماء فرأيت القمر أو البدر، أو النجم، فكذلك ترى وتتيقن أنك قد رأيته، وهذا شيء عجيب جداً لا يمكن أن يصدقه أحد؛ لأن المرء إذا سار في الشارع الآن ونظر في أول بلكونة ربما لا يتأكد ممن نظر إليه واختلط عليه نظره، أمحمد هذا الذي في البلكونة أم أحمد أم إبراهيم أم سيد أم زيد أم عزيز؟ ولكن هذا الاختلاط وهذا الشك والريب لا يخطر لك قط على بال في الجنة، فإنك إذا نظرت إلى أصحاب الغرف من فوق عرفتهم كما تعرف أن هذا هو القمر، لا تشك في أنه القمر وأن بجوار القمر نجماً، لا تشك في أنه نجم ولا يمكن أن يكون النجم قمراً في يوم من الأيام، هكذا يرى أصحاب الجنة أصحاب الغرف.

قال: [حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا يعقوب وهو ابن عبد الرحمن القاري عن أبي حازم، عن سهل بن سعد؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن أهل الجنة ليتراءون الغرفة في الجنة كما تراءون الكوكب في السماء) -وهذا تشبيه للرؤية بالرؤية- قال: -أي أبو حازم - فحدثت بذلك النعمان بن أبي عياش فقال: سمعت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: (كما تراءون الكوكب الدري في الأفق الشرقي أو الغربي)].

أي: في الناحية الشرقية أو الغربية، والدري هو مسمى بذلك لشدة بياضه ولمعانه، والدر معروف أنه أرفع وأثمن الجواهر، وكذلك الكوكب الذي يظهر في الأفق الشرقي أو الغربي.

قال: [وحدثناه إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا المخزومي -وهو المغيرة بن سلمة كما اتفقنا- حدثنا وهيب -وهو ابن خالد بن عجلان البصري كما اتفقنا- عن أبي حازم بالإسنادين جميعاً نحو حديث يعقوب] أي: ابن عبد الرحمن القاري.

قال: [حدثني عبد الله بن جعفر بن يحيى بن خالد، حدثنا معن، حدثنا مالك].

ومعن هو معن بن عيسى، أثبت رواة البصرة عن مالك، وأثبت تلاميذه معن بن عيسى الأشجاعي أبو يحيى المدني القزاز.

قال: [وحدثنا هارون بن سعيد الأيلي -واللفظ له- حدثنا عبد الله بن وهب، أخبرني مالك بن أنس، عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم -كأن هؤلاء في صحن الجنة ينظرون إلى أصحاب الغرف من فوقهم- كما تتراءون الكوكب الدري الغابر)].

أي: الذاهب الماشي الذي تدلى إلى الغروب، أي: الذي أوشك أن ينزل إلى جهة الغرب، وفي الرواية الأولى: (في الأفق الشرقي أو الغربي)، فإما أن يكون صاعداً من الشرق أو نازلاً إلى الغرب، فأنتم ترونهم على هذه الشاكلة أو على هذا النحو.

قال: [(كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب)].

وأصح الرواية: (في الأفق)، وليس: (من الأفق) وهي رواية البخاري.

قال: [(لتفاضل ما بينهم)].

يعني: يريد أن يثبت أن أهل الجنة جميعاً لا يكونون في منزلة واحدة بل في منازل متعددة، فإذا كان الله تعالى قد أعد للشهداء مائة درجة، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فقد أعد الله تعالى لهم من الدرجات في الجنة مائة درجة؛ لأن الشهداء ليسوا على منزلة واحدة، فهذا صالح وشهيد، وهذا عاصٍ وشهيد، بمعنى: أنه هذا يفعل المعاصي ولكنه مات في القتال رفعاً لراية التوحيد فهو شهيد؛ لكنه لا يستوي مع من كانت حياته قبل الشهادة كلها صلاحاً وطاعة، فهذا في درجة وذاك في درجة أخرى، وقس على ذلك التفاضل بين الناس، وهذا الحديث يثبت أن الناس في الإيمان والإسلام متفاوتون.

قال: [(قالوا: يا رسول الله! تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال: بلى والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين)].

معلوم أنه لا أحد يدخل الجنة إلا إذا آمن بالله وصدق المرسلين، فكل من يدخل الجنة لابد أنه قد آمن بالله وصدق المرسلين، لكن الناس في التصديق وفي الإيمان متفاوتون، فبعض من يدخل الجنة ويكون له فيها من حظ تلك الغرف م