للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أقوال العلماء في جزاء قتل الصيد]

قال ابن كثير: الذي عليه الجمهور: أن العامد والناسي سواء في وجوب الجزاء.

وقال الزهري: دل الكتاب على العامد وجرت السنة على الناسي.

إذاً: الجزاء هذا يتناول المتعمد والناسي، فالقرآن بين العامد، والسنة بينت الناسي، ومعنى هذا: أن القرآن دل على وجوب الجزاء على المتعمد وعلى تأثيمه؛ لقول الله تعالى: {لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} [المائدة:٩٥] بعد أن قال: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة:٩٥]، وأيضاً فإن قتل الصيد إتلاف، والتلف مضمون بمعنى: أنك ضامن لإرجاع المال إلى صاحبه في حالة العمد وحالة النسيان وحالة الخطأ، وحالة العمد تستوجب الإثم بخلاف النسيان.

قال: فإن قتل الصيد إتلاف؛ لأنه مال، والإتلاف مضمون في العمد والنسيان، ولكن المتعمد مأثوم والمخطئ غير ملوم.

وقال في المسوى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة:٩٥] معناه على قول أبي حنيفة: يجب على من قتل الصيد جزاء مثل ما قتل.

أي: مماثل له إما في العين وإما في القيمة، فإن قتلت حماراً وحشياً تخرج حماراً وحشياً، أو قتلت ناقة تخرج ناقة، قتلت دجاجة تخرج دجاجة، فإن لم تجد عين ما قتلت تخرج القيمة.

قال: يحكم بكونه مماثلاً ذوا عدل، إما كائناً من النعم بالغ الكعبة، أي حال كونه هدياً، وإما كفارة طعام مساكين.

مثال ذلك: قتلت حماراً وحشياً فكفارتي إخراج حمار وحشي: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة:٩٥]، فإن لم أجد حماراً وحشياً فآتي باثنين عدلين.

قال تعالى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ} [المائدة:٩٥]، فآتي بهذين العدلين ليريا الحمار الوحشي ويقدران قيمته، فإن قالا: مائة دينار أخرج مائة دينار وأشتري بها طعاماً للمساكين كما في قوله: {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} [المائدة:٩٥]، ومعناه على قول الشافعي: يجب على من قتل الصيد جزاء، إما مثلما قتل في الصورة والشكل، فيكون هذا المماثل من جنس النعم، يحكم بمثليته ذوا عدل منكم يكون جزاءً حال كونه هدياً، وإما ذلك الجزاء كفارة، وإما عدل ذلك صياماً، أي: أقدر الصيام بالقيمة، وأنظر إلى هذه القيمة كم مسكيناً تطعم، وأصوم عن كل واحد يوماً، يعني: لو كانت المائة دينار تطعم مائة شخص أصوم مائة يوم وهكذا، والذي يقدر هذا ذوا عدل.

وعن عبد الملك بن قريب عن محمد بن سيرين: أن رجلاً جاء إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: إني أجريت أنا وصاحب لي فرسين إلى ثغرة ثنية فأصبنا ضبياً ونحن محرمان فما ترى؟ فقال عمر لمن بجانبه: تعال حتى أحكم أنا وأنت، فحكم عليه بعنزة فولى الرجل وهو يقول: هذا أمير المؤمنين لا يستطيع أن يحكم في ضبي حتى دعا رجلاً يحكم معه.

ظن أن عمر جاهل، والجاهل يظن أن الناس كلهم جهال.

فسمع عمر قول الرجل فدعاه وسأله: هل تقرأ سورة المائدة؟ قال الرجل: لا.

قال: وهل تعرف هذا الرجل الذي حكم معي؟ قال له: لا.

قال: لو أخبرتني أنك تقرأ سورة المائدة لأوجعتك ضرباً، لكنه عذره لجهله، ثم قال: إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة:٩٥]، هذا الذي جعلني أستدعي آخر؛ لأنه ليس مأذوناً لي أن أحكم بمفردي، وهذا عبد الرحمن بن عوف الذي دعوته.

وهذا يدل على عدالة الصحابة جميعاً رضي الله عنهم جميعاً.

وقد قضى السلف في النعامة ببدنة، وفي حمار الوحش وبقر الوحش والأيل والأروى لكل واحد من ذلك ببقرة، والأيل: ذكر الوعول والأروى: أنثى الوعول، وفي الوبر والحمامة والقمري والحجل والدبسي في كل واحد من هذه بشاة، وهي أسماء لهذه الدواب، وفي الضبع بكبش، وفي الغزال بعنز، وفي الأرنب بعناق، والعناق: هو العنز الذي زاد على أربعة أشهر.

قال: وفي الثعلب بجدي وفي الجربوع بجفرة.

روى سعيد بن منصور عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة:٩٥] قال: إذا أصاب المحرم صيداً حكم عليه بجزائه -يعني: بمثيله- وإن لم يكن عنده جزاؤه قوم جزاؤه دراهم ثم قومت الدراهم طعاماً فصام عن كل نصف صاع يوماً، فإذا قتل المحرم شيئاً من الصيد حكم عليه فيه ثم بعد ذلك بين كيفية الإطعام والصيام.

قال مالك: أحسن ما سمعت في الذي يقتل الصيد فيحكم عليه فيه أن يقوم الصيد الذي صاد، فينظر كم ثمنه من الطعام، فيطعم كل مسكين مداً، أو يصوم مكان كل مد يوماً وينظر كم عدة المساكين ما كانوا، يعني: على قدر إطعام المساكين يصوم عدداً من الأيام وإن كانوا أكثر من ستين مسكيناً.