شرح حديث:(أُريت ليلة القدر ثم أيقظني بعض أهلي فنسيتها فالتمسوها، في العشر الغوابر)
قال: [حدثنا أبو الطاهر وحرملة بن يحيى التجيبي - وكلاهما مصري - قالا: أخبرنا ابن وهب - وهو مصري - عن يونس - وهو ابن يزيد الأيلي - عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(أُريت ليلة القدر)] هنا الرؤية تمت للنبي عليه الصلاة والسلام نفسه، والصحابة رأوها واختلفوا فيها، فمنهم من رآها ليلة السابع والعشرين، ومنهم من رآها في السبع الأوائل، ومنهم من رآها في السبع الأواخر، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين هذا كله وقال:(التمسوها في العشر، أو في التسع) ثم تأتي رؤية النبي عليه الصلاة والسلام.
قال: [(أُريت ليلة القدر، ثم أيقظني بعض أهلي فَنُسِّيتُها، فالتمسوها في العشر الغوابر)] أي: البواقي من الشهر.
أحياناً أنت ترى رؤيا جميلة وتفرح معها، وتشعر بأن روحك تحلق في السماء السابعة، ثم تفاجأ بمن يوقظك فتقوم، فربما من فرط همك وغمك تشعر أن هذا الخير قد انقضى عنك، وتنسى ما كنت فيه من خير، فالنبي عليه الصلاة والسلام قد رأى ليلة القدر في منامه ليس حقيقة، فكأنه أراد أن يجمع عليه أمره حتى يحدث بها، فإذا ببعض نسائه قد أيقظته عليه الصلاة والسلام، فقام ناسياً لتحديد وتعيين تلك الليلة.
قال: [وقال حرملة: (فَنَسِيتُها)] يعني: في رواية: (فَنُسِّيتُها) ورواية: (فَنَسِيتُها) وهذا يدل على جواز أن يقول القائل: أُنسيت كذا أو نَسيت كذا، كلاهما جائز، لأن بعض أهل العلم قالوا: لا ينبغي أن يقول المرء: أنا نسيت كذا؛ هذا خطأ لا يوافق اللغة ولا الشرع، وإنما الموافق للغة والشرع أن تقول: أُنسيتها أو نُسِّيتُها، وقد جاء في حديث عند البخاري:(أن النبي عليه الصلاة والسلام سمع رجلاً يقرأ آية من كتاب الله أو يقرأ قرآناً، فقال: رحمه الله قد أذكرني آية كنت قد أنسيتها) يعني: غابت عنه عليه الصلاة والسلام، لكن الراجح من أقوال أهل العلم: أن لفظ أُنسيتها أولى من نَسِيتها، لكن هذا لا يعني أنها رواية شاذة أو منكرة أو لا تصح لغة ولا اصطلاحاً، وإنما نُسِّيت ونَسِيت بمعنى واحد، والقائلون بالأولى أخذوا هذا من قول الله عز وجل:{وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ}[الكهف:٦٣] يعني: لو أنك رددته إلى أصله لكان نَسِي غير نُسِّي، فقالوا: النسيان من الشيطان، وهذا تأويل فيه تكلف، خاصة وقد ثبت هذا المصطلح.