إذاً: العنب يسمى إما عنباً أو حبلة، ولا نسميه كرماً؛ لأن هذا الاسم فيه كراهة شديدة جداً، قال ابن الجوزي: إنما نهي عن هذا؛ لأن العرب كانوا يسمونها كرماً، لما يدّعون من إحداثها في قلوب شاربيها من الكرم، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تسميتها بما تمدح به لتأكيد ذمها وتحريمها، وليعلم أن ما في قلب المؤمن من نور الإيمان أولى بذلك الاسم الذي هو الكرم.
يقول الحافظ الإمام النووي: كانت العرب تطلق لفظة الكرم على شجر العنب، وعلى العنب، وعلى الخمر المتخذة من العنب؛ سموها كرماً لكونها متخذة منه، ولأنها تحمل على الكرم؛ لأن أصحاب المعاصي كانوا يجلسون مع بعضهم البعض يشربون الخمر، ويحب أحدهم أن يكون أحسن من الموجودين، فيوزع الخمر على الحاضرين؛ لأجل أن يكون صاحب الكرم والجود والسخاء والبذل، ولذلك حتى الذين يدخنون، فإن البخيل لديهم هو الذي لم يعط سيجارة أما ما لو أعطاها لأحد المدمنين فسيكون هو الكريم، فالكرْم تحمل على الكرم والسخاء، فكره الشرع إطلاق هذه اللفظة على العنب وعلى شجر العنب؛ لأن العرب إذا سمعوا بعد الإسلام لفظة الكرم التي تحمل على الكرم والبذل والسخاء ربما تذكروا بها الخمر، فهيجت نفوسهم إليها، فوقعوا فيها أو قاربوا ذلك، واستشرفتها نفوسهم، ولكن سموا العنب عنباً أو حبلة.
والشراب المتخذ منه يسمى خمراً؛ لأن وقع كلمة خمر على أذنك ليس كوقع كلمة كرم أو كريم، فهذه لها معنى وهذه لها معنى آخر، فالخمر وقعها على الأذن مذمومة، والكرم وقعها على الأذن ممدوحة.
أما قوله: إنما يستحق هذا الاسم الرجل المسلم أو قلب المؤمن؛ لأن الكرْم مشتق من الكرَم بفتح الراء، وقد قال الله تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحجرات:١٣] ولم يقل: أشربكم للخمر أو أشربكم للكرم، فسمى قلب المؤمن كرماً؛ لما فيه من الإيمان والهدى والنور والتقوى والصفات المستحقة لهذا الاسم.
قال أهل اللغة: يقال: رجل كرم، وامرأة كرم، ورجلان كرم، ورجال كرم، وامرأتان كرم، ونسوة كرم كله بفتح الراء وإسكانها كرَم وكرْم بمعنى كريم وكريمان وكرام وكريمات، فهذا وصف للمصدر كضيف وعدل، والله تعالى أعلم.