القسم الثاني من أقسام التوحيد: توحيد الألوهية، وما من نبي أرسل في قومه إلا لأجل هذا التوحيد على جهة الخصوص، وكل العرب والمشركين والصابئة وغيرهم الذين كانوا في عهد إبراهيم ومن قبل إبراهيم عليه السلام كانوا يقرون بوجود الله عز وجل وأنه رب الأرباب، وأنه الخالق الرازق المدبر المحيي المميت، وغير ذلك من صفات الربوبية، ولكنهم كانوا يعبدون غيره، ومنهم من قال: إنه إله، وهو في السماء، ولا ينبغي أن ندخل عليه هكذا، وإذا كنا لا ندخل على الملوك دخولاً مباشراً فمن باب أولى -وهنا حكموا القياس والعقول- ألا ندخل على الإله وألا ندعوه إلا من خلال وسائط، وهذا تلبيس الشيطان عليهم.
ويمكن مراجعة هذه المسألة في كتاب الداء والداء في منتصفه تقريباً لشيخ الإسلام ابن القيم.
وقد فرض فرضاً فقال: إن المشركين لما عبدوا غير الله عز وجل واتخذوا الوسائط والشفعاء إلى الله عز وجل لم يكن قصدهم الشرك بالله، وإنما كان قصدهم تعظيم الله عز وجل وتبجيله، فكيف يعذبهم الله عز وجل ويعاقبهم على ذلك؟ ثم أجاب على ذلك جواباً متيناً جداً فيما يقرب من عشرين أو ثلاثين صفحة.
فقد قسم الشرك إلى أنواع متعددة، شرك متعلق بذات الله عز وجل، وشرك متعلق بالعبادة، وشرك متعلق بالإرادة، وشرك متعلق بالأقوال والأفعال.
ويمكن مراجعة هذا في الداء والدواء.
فتوحيد الربوبية: هو إفراد الله عز وجل بالخلق والأمر الذي هو تدبير أمر الخلق والملك، الخلق المطلق، والتدبير المطلق، والملك المطلق.
وأما خلق أو تدبير أو ملك المخلوق فليس مطلقاً، فإنك تقول: فلان رحيم، والله عز وجل تقول عنه: الرحيم، ورحمة المخلوق ليست كرحمة الخالق أبداً، وكما أنه لا نسبة أو قياس بين الخالق والمخلوق فكذلك لا يجوز قياس صفة من صفات المخلوق على صفة من صفات الخالق سبحانه وتعالى.
وتوحيد الألوهية هو: إفراد الله عز وجل بالعبادة، يعني: ألا تصرف شيئاً من عبادتك إلى غير الله عز وجل، ولو صرفت شيئاً من العبادة إلى غير الله فإنك لا تكون موحداً ولا عابداً على الحقيقة لله عز وجل، فلا تكون عبداً لغير الله عز وجل، ولا تعبد ملكاً ولا نبياً ولا ولياً ولا شيخاً ولا أماً ولا أباً، ولا تعبد إلا الله تعالى وحده، فتفرد الله عز وجل وحده بالتأله والتعبد، ولهذا يسمى توحيد الألوهية، أي: أنك لا تعبد إلا إلهاً واحداً، فتتأله وتتعبد له وحده، ومن هنا سمي هذا التوحيد بتوحيد الإلهية، أو توحيد الألوهية، ويسمى أيضاً توحيد العبادة، فباعتبار إضافته إلى الله تعالى يسمى توحيد الإلهية، وباعتبار إضافته للفاعل يسمى توحيد العبادة.