شرح حديث: (إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم)
قال: [حدثنا يحيى بن يحيى ومحمد بن رمح قالا: أخبرنا الليث.
(ح) وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا تأذين ابن أم مكتوم)]، هذا يدلنا على أن للفجر أذانين، وإذا كان المسجد صغيراً لا بأس أن يقوم بالأذانين واحد، ولا بأس من اتخاذ أكثر من مؤذن في وقت واحد في المسجد الواحد إذا كان الأذان في أحد نواحيه لا يسمع من كان في النواحي الأخرى، فحين يتوجه المؤذن شمالاً بغير مكبر الصوت ويؤذن ولا يسمع من كان في الناحية الأخرى فلا بأس باتخاذ مؤذن آخر، وقد اتخذ عمر بن عبد العزيز وعبد الملك بن مروان وغيرهما من الخلفاء والأمراء مؤذنين فأكثر للمسجد الواحد، لكن لا يقيم في المسجد إلا واحد؛ لأن الجماعة واحدة حينئذ.
أما النداء فشأنه إخبار الناس وإعلامهم بدخول وقت الصلاة، فلا بد أن يتم هذا الإعلان، فإذا أعلنت أنا في الناحية الغربية، وبقي من كان في جميع النواحي لم يسمع؛ فلا بأس من اتخاذ مؤذن.
أما الآن فقد أغنانا عن اتخاذ عدة مؤذنين للمسجد الواحد هذه المكبرات الصوتية، فإن المؤذن الواحد يكفي؛ لأن العلة التي لأجلها شرع الأذان قد بلغت الناس، وهو أنهم جميعاً قد سمعوا النداء في كل واد وفي كل مكان وفي كل ناحية، فقامت عليهم الحجة بالإتيان إلى المسجد.
فقوله: (إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا تأذين ابن أم مكتوم) هذا يدلنا على أن في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤذن له في الفجر مؤذنان: بلال، وابن أم مكتوم.
أما بلال فكان يؤذن قبل طلوع الفجر الصادق، وأما ابن أم مكتوم فكان يؤذن بعد طلوع الفجر الصادق، أي: في أول الوقت.
ونحن نقول: الفجر الصادق؛ لأن هناك فجراً كاذباً وفجراً صادقاً، والعرب كانوا في ذلك الوقت ولا يزال الناس الآن في البوادي والصحاري يميزون ويعرفون أوقاتهم بالنجوم، ويعرفون أوقاتهم بمطلع القمر، ويعرفون الفجر الصادق من الكاذب وغير ذلك، لكن نحن بيننا إفرنج وأفندية، وبالتالي لا نعرف أن نميز الأوقات بالنجوم وغيرها؛ لأننا لم نتعود أن نعرف أيامنا وليالينا وطرقنا عن طريق هذه النجوم وهذه المجرات التي أجراها الله تبارك وتعالى لنا.
هناك فجران: فجر مستطيل في السماء من فوق إلى تحت، ترى خطاً أبيض ينزل من فوق إلى تحت بنفس الخط المستطيل، وهذا الخط سرعان ما يتلاشى ويظهر خط آخر معترضاً من الشمال إلى اليمين، أو من اليمين إلى الشمال.
إذاً: نحن عندنا خطان: الخط الأول: خط رأسي في السماء، من فوق إلى تحت، فسرعان ما يتلاشى هذا الخط.
الخط الثاني: خط عرضي، يأتي بالعرض وليس بالطول.
الخط الأول يغلب عليه الحمرة، والخط الثاني يغلب عليه البياض، وبلال كان يؤذن عند ظهور الخط الأول، وهو الفجر الكاذب، أما الفجر الصادق فهو الخط الثاني الذي يأتي بالعرض، وعند بداية ظهور هذا الخط كان يؤذن ابن أم مكتوم، وهنا يحرم الطعام والشراب والجماع.
وفي أذان بلال يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (ليرجع قائمكم وينبه نائمكم) أي: ليستيقظ النائم ويستعد للصلاة، وإذا كان مستيقظاً يصلي أو غير ذلك؛ خشية دخول الفجر، كذلك لو أردت أن تستعد للصيام أو تنوي أو غير ذلك فقدامك مدة وفترة تستطيع فيها أن تقضي حاجتك.
قال: [حدثني حرملة بن يحيى أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم).
حدثنا ابن نمير - محمد - حدثنا أبي - عبد الله بن نمير - حدثنا عبيد الله وهو - ابن عمر العمري - عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنان: بلال، وابن أم مكتوم الأعمى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، قال: ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا)] يعني: ينزل بلال ويطلع ابن أم مكتوم.
المؤذنون قديماً كانوا يؤذنون من المئذنة، والمئذنة هي غرفة صغيرة تبنى ع