[حدثنا يحيى بن أيوب، حدثنا ابن علية -هو إسماعيل بن إبراهيم بن علية، وعلية أمه- قال: وأخبرنا سليمان التيمي، حدثنا أنس بن مالك قال:(كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والهرم، والبخل، وأعوذ بك من عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات)].
ونحن قد ذكرنا كل الكلام في شرح الحديث السابق عدا فتنة المحيا والممات، وفتنة المحيا -أي: فتنة الحياة- إما أن تكون في الدين أو في الدنيا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ أن يفتن في حياته فتنة تتعلق بالدين أو تتعلق بالدنيا، فمثلاً: حبك للمال وشغفك وطلبك وانشغالك به فتنة من فتن الدنيا، فإذا حزت المال بين يديك فانشغلت به عن طاعة الله فهو من فتن الدنيا، وهكذا في كل فتنة نقول هذا الكلام.
وأما فتنة الممات فقيل: المقصود بها: فتنة القبر، أو عذاب القبر، أو عذاب ما بعد الممات من فتنة البعث والنشور، والحساب، والجنة والنار، وغير ذلك.
وقيل: -وهو الراجح- أن فتنة الممات هي: رؤية العبد مكانه من الجنة أو النار في لحظة الاحتضار، وهي أعظم فتنة يتعرض لها العبد، وهي آخر فتنة على الإطلاق يتعرض لها العبد قبل وفاته وقبل خروج الروح، فيرى مكانه من النار فيفتن فيه.
ثم يقال له: هذا مكانك لولا أن الله أبدلك مكانه في الجنة.
ويرى مكانه من الجنة فيسعد بذلك ويفرح فيقال له -أي تقول له الملائكة-: (هذا مكانك لولا أنك عملت كذا وكذا فقد أبدلك الله مكانه من النار).
ثم يرى مكانه من النار، فحينئذ يكره لقاء الله تعالى فيكره الله تعالى لقاءه كما مر بنا، فهذه فتنة المحيا وتلك فتنة الممات، عصمنا الله تعالى وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن.